فلسطين على أنقاض اسرائيل
كتب نبيه البرجي في جريدة الديار :
في 19 تموز 2024 سقطت تل أبيب بل سقطت اسرائيل بيد الحوثيين . ما أدراك ما هم الحوثيون ! هؤلاء الحفاة , والجوعى , بالفامات العالية بعلو جبالهم , لم يدخلوا منذ تلك اللحظة , كقوة ضاربة , في المعادلة الاقليمية , بل دخلوا التاريخ . ولقد اهتزت عظام الملك داود . على مواقع التواصل “لكأن حجارة الهيكل الثالث قد تبعثرت” .
لو كان لدى بنيامين نتنياهو الحد الأدنى من أخلاقية رجل الدولة , لا أخلاقية قاطع الطرق , لقدم استقالته وقال “وحتى الى جهنم وليس فقط الى الزنزانة” . لكن الضباع التي احترفت الولوغ في الدماء , احترفت , أيضاً , الولوغ في الوحول . آفي شلايم , المؤرخ الاسرائيلي واستاذ العلاقات الدولية في جامعة أكسفورد البريطانية , قال “لم أعد أدري , تراني أغتسل من الدماء أم من الوحول” .
شلايم الذي حذرهم , منذذ البداية , بأن ايديولوجيا القوة , مثلما هوت باسبارطة الى الخراب , هوت بروما أيضاً , بالرغم من عظمة القياصرة . كيف لاسرائيل البقاء (الأبدي) بالامكانات الجغرافية , والديموغرافية , المحدودة ؟ ليلاحظ كيف “أننا , ومنذ الأيام الأولى للحرب , رحنا نلهث وراء ادارة جو بايدن لمدنا بالذخائر , والا كنا رفعنا الرايات البيضاء أمام يحيى السنوار ورفاقه” .
كيف لتلك الأدمغة التوراتية أن تقتنع بكونها ليست القوة الالهية , ولا الصنيعة الالهية , ولا الوديعة الالهية . هم كائنات بشرية مثل الآخرين , ومثل أترابهم اليهود الذين أدركوا أن من مقتضيات البقاء مد اليد الى الاخر , لا اقامة جدار النار مع الآخر . المسيّرة اليمينة فجرت تل أبيب بعد يوم واحد من نصويت الكنيست على رفض انشاء الدولة الفلسطينية , واعتبار الضفة جزءاً من أرض الميعاد , ما حدث في ذلك اليوم المقدس ايذان بأن الدولة الفلسطينية ستقوم على أنقاض الدولة العبرية .
كالعادة , لا رد منطقياً , ولا مقاربة منطقية , لما جرى . ردة فعل الثيران , الثيران الهوجاء . دعونا نحن تستخلص الأمثولة من الأرض , ومن الجو . هل يمكن لمسيّرة أن تقطع نحو 2000 كيلومتر , وتعبر فوق الأساطيل , وفوق القواعد , وفوق الجنرالات , وفوق القبب الحديدية , وتضرب , كظاهرة عسكرية فذة ؟
جاك نيريا قال “آن الأوان لكي نحزم حقائبنا” (أهلاً بك حيث ولدت في لبنان) . لم تعد تجدي الملاجئ , ولا القاذفات الشبحية , بمواصفات الشيطان , في كسر ارادة المقاتلين الذي تقف الى جانبهم الأرض , وتقف الى جانبهم السماء , لأنهم انما يقاتلون من أجل خلاص كل من وقع ضحية ذلك الأخطبوط التوراتي .
منذ عقود نبهتهم هيلاري كلينتون بأن دخول الصواريخ الى الترسانات العسكرية لا بد أن يحدث تغييراً نوعياً في موازين القوى . آنذاك انقضوا عليها في صناديق الاقتراع ليأتوا بذلك المهرج الذي يهدد , منذ الآن , بالقضاء على الفلسطينيين . ما الفارق بين حماقة , وبهلوانية , بنيامين نتنياهو , وحماقة , وبهلوانية , دونالد ترامب الذي يريد أن يبيع رأس فولوديمير زيلنسكي الى القيصر , لنسأل ما اذا كان فلاديمير بوتين , حليغنا الاستراتيجي , سيبيع رؤوسنا لذلك الرجل الفظ . الآتي من ليل الغانيات ؟
على ذاك الرجل يراهن زعيم الليكود لـ”تغيير الشرق الأوسط” . المهم أن يستطيع البقاء على عرشه حتى 5 تشرين الثاني المقبل , في ظل الفوضى الانتخابية في الولايات المتحدة , وحيث ينتظر أن يغادر جو بايدن , كبطة عرجاء , الى منتجعه على ضفاف الأطلسي في ولايته ديلاوير , لتحل محله كامالا هاريس (هل يتحول الصراع الانتخابي الى صراع بين البيض والسود ؟) .
تغيير الشرق الأوسط بتفجير الشرق الأوسط . هكذا يفكر دونالد ترامب . لكن الجنرالات الذين منعوه من الاقتراب من الأزرار النووية أثناء ولايته , قد يمنعونه من الاقتراب من “أيام الجحيم” في المنطقة , وهي “خاصرتنا الرخوة” .
عين البنتاغون في مكان آخر . المكان الذي يهدد باخراج الولايات المتحدة من مقصورة القيادة باتجاه عالم متعدد الأقطاب , كنتيجة منطقية لجدلية التاريخ كما لجدلية القوة , حتى أن الجنرال البارز ديفيد بترايوس يحذر من أن يكون “خروجنا من هناك أكثر مأسوية من خروجنا من فيتنام وأفغانستان” . مواكب التوابيت الطائرة …
آلاف آلاف الصواريخ , وآلاف آلاف المسيّرات , وآلاف آلاف الرجال سيكونون في انتظار دونالد ترامب . الرصاصة الأولى أصابت أذنه (هو الذي قال بوب وودورد أنه ينفث النار من أذنيه) . أين ستكون الرصاصة الثانية التي من يطلقها يخشى أن يدفع الرجل بالأمن الاستراتيجي للولايات المتحدة الى حد السكين ؟ هو الآن على حد السكين …