منفى الرأي في أمريكا
بقلم: المحامي عمر زين
إنّ موضوع ترحيل المؤيدين والداعمين لفلسطين في الولايات المتحدة يُعد من القضايا الحساسة والمعقّدة، لما ينطوي عليه من أبعاد قانونية وسياسية ودبلوماسية تمسّ جوهر القيم التي تقوم عليها المنظومة الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير والحقوق المدنية. ففي ظل النظام الدستوري الأمريكي الذي يكفل حرية الرأي والتعبير، تبرز تساؤلات جدّية حول مدى شرعية مثل هذا التوجه، وتداعياته الداخلية والدولية على السواء.
تبرز أهمية هذه المسألة في عدة مستويات، أولها على صعيد الحقوق الأساسية؛ إذ يُعد دعم القضية الفلسطينية شكلاً من أشكال التعبير المحمي بموجب التعديل الأول من الدستور الأمريكي. وبالتالي، فإن أي محاولة لترحيل أفراد بسبب مواقفهم السياسية المؤيدة لفلسطين قد يُنظر إليها كخرق واضح لهذا الحق الدستوري، ما يثير موجة من الانتقادات القانونية والحقوقية.
إضافة إلى ذلك، فإن المجتمع الأمريكي ذاته يشهد تنوعًا واسعًا في مكوناته، ويضم أصواتاً متعددة تدعم حقوق الفلسطينيين، من ضمنها طلاب، ونشطاء، ومنظمات مجتمع مدني، وشرائح من المجتمع المسلم. وبالتالي، فإن اتخاذ إجراءات عقابية بحق هذه الفئات لا يهدد فقط حرية التعبير، بل يُسهم أيضاً في تفتيت النسيج المجتمعي وزيادة الانقسام والاستقطاب داخل الولايات المتحدة.
على المستوى الخارجي، فإن أي خطوة من هذا النوع من شأنها أن تؤثر سلبًا على علاقات الولايات المتحدة بعدد من الدول العربية والإسلامية التي ترى في دعم القضية الفلسطينية موقفًا مبدئيًا، الأمر الذي قد يضعف موقع واشنطن السياسي والدبلوماسي في الشرق الأوسط ويقلّص من قدرتها على لعب دور الوسيط في أي عملية سلمية مستقبلية.
أما دلالات هذا التوجه، فهي لا تقل خطورة؛ إذ إن ترحيل مؤيدي فلسطين يسلّط الضوء على تناقضات داخلية في خطاب حقوق الإنسان الأمريكي، ويعزز الانطباع بأن القوانين تُستغل أحيانًا لقمع النشاط السياسي السلمي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمواقف مناهضة لإسرائيل. كما أن هذه الإجراءات قد تغذي شعورًا عامًا بأن الحكومة الأمريكية منحازة بشكل غير مشروط للاحتلال الإسرائيلي، وهو ما قد يعزز التعاطف مع القضية الفلسطينية في المجتمعات العربية والإسلامية، ويزيد من التحديات التي تواجه السياسة الأمريكية الخارجية.
ولمواجهة هذا التوجه، يُمكن العمل على عدة مستويات. أولاً، التأكيد على احترام حقوق الإنسان عبر تحرك المنظمات الحقوقية والجماعات المدنية لتوجيه الضغط نحو ضمان عدم استخدام القوانين كأداة لتكميم الأفواه. ثانيًا، تفعيل المقاومة القانونية عبر استخدام الآليات القضائية الأمريكية للطعن في أي قرار يُتخذ بحق الأفراد بناءً على مواقفهم السياسية. كما يلعب الضغط الدولي دوراً محورياً، من خلال حملات تنظمها منظمات حقوق الإنسان العالمية، لتسليط الضوء على الآثار السلبية لمثل هذه السياسات على الحريات العامة.
إلى جانب ذلك، فإن التوعية المجتمعية داخل الولايات المتحدة تُمثل ركيزة أساسية، سواء من خلال الفعاليات الجامعية، أو المظاهرات السلمية، أو النقاشات العامة، بما يعزز من وعي الرأي العام بخطورة التضييق على الحريات باسم السياسات الأمنية أو الانحيازات الخارجية.
في الخلاصة، فإن فكرة ترحيل مؤيدي فلسطين في الولايات المتحدة تفتح الباب أمام إشكاليات جوهرية تمسّ القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي تتطلب تصدياً قانونياً ومجتمعياً مستمرًا، لضمان أن يبقى دعم القضية الفلسطينية ضمن دائرة الحق المشروع، لا الموقف الملاحق أو المقموع.
أمين عام اتحاد المحامين العرب (سابقا)