سعودية جديدة تحبط لبنانيين:ثورة بن سلمان تصنع تاريخا جديدا (علي يوسف)
*كتب علي يوسف
يعتقد عدد من اللبنانيين وبعض من يُسمون زعامات او رجال اعمال ،ان محاولة الادلاء بتصاريح تعلن استعدادهم لتلبية الرغبات السعودية وولي عهدها الامير محمد بن سلمان، او تحاول استرضاء واستسماح السعودية عما تعتقد انها تعرضت له من سوء في لبنان، يمكن ان تلقى استحسانا سعوديا يعيد اصحابها الى لعب دور في تقديم المساعدات والاموال للبنان، اوعلى الاقل لهم خصوصا تحت شعار دعم لبنان..
ولعل ابرز من يعتقد ذلك هم بعض القيادات السنّية التي تتنطح لتسلم قيادة الشارع السنّي على” انقاض الحريرية ” تحت شعار العروبة الخليجية والولاء للسعودية، وتحت شعار مواجهة ايران ومحور الممانعة،بالإكثار من الضجيج،وتستطيع بسهولة تبين عدم قدرتهم على منافسة الدكتور سمير جعجع في هذه الرؤية وفي ممارستها، حتى وصل الامر الى ان بعضهم فضّل الالتحاق بحركة جعجع اعترافا بعدم القدرة على منافستها.
والمشكلة المستعصية هنا هي كالعادة مشكلة فكرية ناتجة عن عدم متابعة ما جرى ويجري في الاقليم وفي العالم وحتى في لبنان، حيث ان البعض مايزال يعيش في واقع ورغبات السبعينات ،وتجمد فكره هناك، كما انه تعوّد على الاستذلال وعقلية الشحادة ،وهو لايعرف طريقا للكرامة او للاستقلال او للقرار الحر والسيادة، رغم انه يتشدق ويجتر شعارات السيادة يوميا كبدل عن ضائع ،لا مضامينه ولا حتى صورته الحقيقية، وعلى طريقة ابن الرومي في الاحدب ( كأنما صفعت قفاه مرة وأحس ثانية لها فتجمعا ). فكيف وقد صفعت قفاه آلاف المرات بحيث لم يعد يتطلب إحساسا، بل تحول الصفع عنده كتلبية رغبة تشعره بأنه ما يزال موجودا ..!!!
بالطبع لا يفهم هؤلاء “السعودية الجديدة” بعد ان تولى الامير محمد بن سلمان السلطة الفعلية، وان كان لا يزال وليا للعهد ..ويمكن القول ان الامير الثوري استطاع ان يخرج ويُخرج السعودية من رتابة المراوحة بين واقعها الماضي وواقعها المستجد..
كما ان ادخاله في الحرب الفاشلة سلفا على اليمن كان المستهدف فيها السعودية والوصول الى تعميم حالة عدم الاستقرار في الخليج وسحب الثروات الخليجية في مشاريع تسلح غيرمجدية ولا تحقق الا الإستنزاف… وفي المقابل كانت هناك ادوار تركية وايرانية تتعاظم في الاقليم على خط الصراع مع المشاريع الاميركية المتصهينة ، وكانت رؤية ٢٠٢٠ -٢٠٣٠التي وضعها ،بغض النظر عن مضامينها، بمثابة اعلان ان السعودية سوف تنتقل من البلد المأمور سياسيا واقتصاديا، الى بلد تمتلك قيادته رؤية تمهيدا لإعادة نظر سياسية امنية اجتماعية اقتصادية استراتيجية للسعودية، ويمكن القول ايضا ثقافية .. وقد ظهرت آثارها جلية على المستوى الداخلي في ما يُعرف بسياسة الانفتاح والتي هي في الحقيقة أكثر من ذلك بكثير !!!
وخلافا لما يعتقد كثيرون، تبين ان الامير الثوري استطاع رؤية التناقض المستجد بين ارتباطه الأمني وبين ارتباطاته الاقتصادية ، فلم يعد من يضمن امنه، وهو الولايات المتحدة الاميركية ، يفعل ذلك انطلاقا من شراكة اقتصادية ، وذلك بفعل الإكتفاء النفطي الأميركي ..بل تحولت الضمانة الامنية الى فرض اوامر بهدف الإمساك بطريقة وممارسة تأمين الحاجات النفطية في الأسواق، وخصوصا ل “العدو ” المنافس الصيني..؟؟!
وعلم الأمير ان هذا التناقض بين امنه الاقتصادي وبين امنه السياسي والأمني، اي امنه كنظام، سوف ينفجر لاحقا اذا لم يسارع الى اعادة ضبط ايقاع نظاميه الامني والاقتصادي،واعادة رسم واقع جديد ودور خليجي واقليمي جديد.
وكان الامير الثوري يعلم ان اي تحول سريع قد يطيح به وبنظامه ودوره، فسار ع الى محاولة ارضاء الرئيس الاميركي السابق ترامب بشراء السلاح بمبالغ ضخمة، كونه عرف بتأثير المال على ترامب، وبدأ في المقابل وبخطى حثيثة غير مستفزة ،بتعزيز علاقاته الاقتصادية مع الصين ومع روسيا وصولا الى طلب الانضمام الى دول “البركس” في محاولة لتحقيق التوازن بين امنه الاقتصادي وبين امنه كنظام ،من ضمن الحلف الدولي المستجد الذي بات ارتباطه الاقتصادي به اكثر اتساعا وجذرية، ولو كان يضم ما هو مفترض “حتى الآن” عدوّه اللدود ايران …
ويمكن القول انه نجح خلال مرحلة وهن اميركية في الوصول الى تنظيم قمة عربية – صينية في محاولة لإعلان عهد سعودي تاريخي جديد .ولا يخفي، انسجاما مع ذلك ،عمله الواضح لإنهاء الحرب على اليمن ،مع ما يظهر من خلاف كبير مع الإمارات العربية حول هذا الموضوع وفتح مسالك حوار مع ايران وتركيا…ولعل دخول البواخر الى ميناء الحديدة في محاولة اظهار حسن النوايا ،وكذلك وجود وفد سعودي في صنعاء بعد الوساطات العُمانية ،دلائل تشير بوضوح الى تحول واضح في السياسة السعودية حول الحرب على اليمن …
مؤشرات وملاحظات
انطلاقا من هذه الخطوات الثورية والكبيرة يمكن تسجيل الملاحظات الآتية:
١- ان كل الرهانات والاحلام اللبنانية حول “عودة” السعودية لمد مجموعة” العجزة” بالدعم الذي تعوّدوا على الحصول عليه بالاستذلال أو بالإستعطاء أو بالصراخ الطائفي والمذهبي ،بات اشبه بأحلام السراب. ولعل الموقف السعودي من القيادات السنّية وتقريب جعجع ،هو أكبر رسالة لحث اللبنانيين على محاولة ادراك التحول السعودي..
٢- ان ما احدثه ولي العهد على مستوى الداخل جاء بمثابة ثورة تاريخية تتعدى وصفها بالانفتاح…
٣- ان الخطوات الهادئة والمدروسة التي اتخذها ويتابع اتخاذها ولي العهد لمعالجة التناقض بين امن ومستقبل بلده اقتصاديا ،وبين امن نظامه ، تشكل ايضا انجازا تاريخيا ومقدمة لتموضع جديد للسعودية يحمل امكانات لدور اساسي في اعادة رسم خارطة جديدة للمحيط وللإقليم في مشروع بناء توازن دولي جديد …
٤- ان ما يمكن ان يهدد نجاح هذه الثورة أمرين:
أ- نجاح الولايات المتحدة الأميركية في اغتيال الامير محمد بن سلمان قبل تمكنه من إخراج حماية امن نظامه من يد اميركا وتأمين الحماية عبر انضمامه الى مجموعة “البركس”.
ب- عدم اعطاء بعد امن قومي لهذه الثورة ،وهو الأمن القومي العربي الاقليمي الذي ينطلق من تحرير فلسطين كشرط اساسي لتأمين الاستقرار والتطور والتنمية والرفاهية للمنطقة.. وهو امر يفترض مقاربة جديدة وواضحة في الموقف والسياسات السعودية من القضية الفلسطينية.
*عضو في المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي للصحافيين