أفكار وآراء

تصاعد السرقات في بيروت: بين النشل وسرقة السيارات – الحلول والتوصيات

تصاعد السرقات في بيروت: بين النشل وسرقة السيارات – الحلول والتوصيات
بقلم: المحامي عمر زين*
تشهد بيروت في الاونة الاخيرة تزايدا مقلقا في ظاهرة السرقات، خصوصاً النشل وسرقة السيارات، مما يضع الأمان في المدينة تحت تهديد مستمر. تسهم عدة عوامل في تفشي هذه الظاهرة، من بينها تقصير المسؤولين في أداء مهامهم المتعلقة بالأمن والسلامة العامة.
تُعتبر بلدية بيروت والادارة الرسمية مسؤولة عن جوانب عديدة من البنية التحتية والخدمات العامة، بما في ذلك الحراسة والإضاءة العامة وتنظيم الأسواق والمرافق العامة. ومع ذلك، يُلاحظ تقصير في بعض هذه الجوانب، حيث تعاني بعض المناطق من غياب الاضاءة الكافية في الشوارع.
تساهم الإضاءة العامة للشوارع في تقليل الجرائم من خلال زيادة وضوح الرؤية والحد من الأماكن المظلمة التي قد يستغلها المجرمون. يسهم غياب الإضاءة الكافية في بعض المناطق في زيادة السرقات. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي عدم وجود إشراف كافٍ على الأسواق والمرافق العامة إلى فوضى تُستغل من قبل بعض الأفراد لارتكاب أعمال النشل والسرقة.
شهدت بيروت في الآونة الأخيرة ارتفاعًا ملحوظًا في حوادث النشل وفي وضح النهار، حيث تُعتبر النساء الفئة الأكثر استهدافًا. وفقًا لإحصاءات سابقة، بلغت نسبة النشل في بيروت 42.46%، تليها جبل لبنان بنسبة 35.06%، ثم الشمال بنسبة 12.32%. كما تعرضت العديد من السيدات لعمليات نشل في وسط بيروت حتى وصل النشل الى الاطفال، مما يسلط الضوء على تزايد هذه الظاهرة.
تنفذ العصابات عمليات النشل والسلب بقوة السلاح في مناطق مختلفة من بيروت. تتعدد العوامل التي ساهمت في تفشي هذه الظاهرة، أبرزها الأزمة الاقتصادية والنزوح السوري اللذان أدا إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، مما دفع البعض اللجوء إلى السرقات.
تخلق ظاهرة النشل والسرقات حالة من الخوف والقلق بين المواطنين، وتؤثر على الثقة في الأجهزة الأمنية.
نتيجة لهذه الجرائم، تظهر آثار صحية ونفسية تتطلب علاجًا لفترة طويلة، بالاضافة إلى الخسائر المالية التي تلحق بالأفراد والتجار، مما يثني المستثمرين عن ضخ المزيد من الاستثمارات في المنطقة. علاوة على ذلك، تؤثر هذه الأفعال سلبًا على السياحة، حيث يمكن ان تؤدي الى انخفاض أعداد السياح وتخلق انطباعا سلبيا عن الأمان في البلد.
لمعالجة هذه الظاهرة والحد من انتشارها، من الضروري تعزيز التواجد الأمني في المناطق الساخنة وتكثيف المراقبة بالفيديو في الأماكن العامة، لأن ذلك يسهم في ردع الجناة عن ارتكاب الجرائم بوجود حضور أمني فعّال. كما تساهم المراقبة بالفيديو في توثيق الحوادث بشكل دقيق، مما يساعد في تحديد الجناة وتحقيق العدالة. هذه الإجراءات توفر أيضًا شعورًا بالأمان للمواطنين والزوار، مما يعزز الثقة في قدرة الدولة على حماية الممتلكات والأرواح.
كما يجب تشجيع المبادرات المحلية، مثل تشكيل مجموعات تطوعية لحماية الأحياء، مع مراعاة التنسيق مع الجهات الأمنية الرسمية لضمان الفعالية، لأن هذه المبادرات تساهم في تعزيز الشعور بالمسؤولية الجماعية وتعزز من قدرة المجتمع على التصدي للجرائم، والتنسيق مع الجهات الأمنية الرسمية يضمن أن هذه المجموعات تعمل ضمن إطار قانوني وآمن، مما يحد من أي مخاطر محتملة أو تجاوزات قد تحدث. بالإضافة إلى ذلك، فإن التعاون بين المواطنين والأجهزة الأمنية يعزز من فعالية التدابير الأمنية ويسهم في تعزيز الثقة بين أفراد المجتمع والأجهزة المعنية بالحفاظ على الأمن.
بالإضافة إلى ذلك، إطلاق حملات توعية للمواطنين حول سبل الوقاية من النشل والسرقات، وتقديم إرشادات حول كيفية التصرف في حالات الطوارئ، والعمل على تحسين الظروف الاقتصادية وتوفير فرص عمل للحد من الدوافع الاقتصادية التي تقود البعض إلى الجريمة، لأن هذه الإجراءات تسهم في تقليل الفرص المتاحة للجريمة من خلال تمكين الأفراد من حماية أنفسهم ومعرفة كيفية التصرف في المواقف الخطرة. من خلال تعزيز الوعي، يتمكن المواطنون من تجنب الوقوع ضحايا للسرقات، مما يقلل من وقوع الجرائم. كما أن تحسين الظروف الاقتصادية يوفر بدائل للأشخاص الذين قد ينخرطون في النشاطات الإجرامية بسبب الحاجة المالية، وبالتالي تساهم هذه المبادرات في الوقاية من الجريمة.
إنه من خلال تكاتف جهود جميع الأطراف، بدءًا من الأجهزة الأمنية وصولاً إلى المجتمع المدني، يمكن ضمان بيئة آمنة ومستقرة لجميع المواطنين في بيروت، لأن التعاون المشترك يعزز من فعالية التدابير الأمنية ويوفر بيئة متكاملة للحد من الجرائم. الأجهزة الأمنية يمكنها تقديم الحماية والردع الفعّال، بينما يسهم المجتمع المدني في بناء الوعي الاجتماعي وتعزيز دور الأفراد في الحفاظ على الأمن. التكامل بين الجهود الرسمية والتطوعية يخلق شبكة أمان قوية، ويؤدي إلى بيئة متماسكة يدعمها التعاون المشترك، مما يساهم في تحسين الأوضاع الأمنية ويعزز من الاستقرار في المجتمع.
يُلاحظ أن غياب حراس بلدية بيروت قد ساهم بشكل مباشر في تفشي السرقات وارتفاع معدلات النشل في بيروت، لأن دور حراس البلدية يشمل ضمان الأمن في المناطق العامة، من خلال دوريات مراقبة وتواجد ميداني يردع المجرمين. عند غيابهم، يصبح هناك فراغ أمني، مما يعزز شعور الجناة بعدم وجود رادع ويدفعهم لارتكاب الجرائم بسهولة أكبر. كما أن تراجع التواجد الأمني في الأماكن العامة يجعل المواطنين أكثر عرضة للتعرض للسرقات والنشل، مما يزيد من معدلات الجريمة ويؤثر سلبًا على الشعور بالأمان في المدينة.
إن أزمة الأمن المتفاقمة في المدينة تعكس تحديات متزايدة ناجمة عن ضعف الإجراءات الوقائية، مما يضع بيروت تحت وطأة السرقات ويفرض الحاجة إلى التنسيق الدائم ما بين البلدية ووزارة الداخلية، وباعادة تكوين حراس للمدينة من المقيمين في بيروت، وتوفير التدريب والتجهيزات اللازمة لهم، لضمان استتباب الأمن والحد من ظاهرة النشل والسرقات.

* الامين العام السابق لاتحاد المحامين العرب
بيروت في 9/3/2025