أفكار وآراء

مجلس بلدية بيروت: لا «إنجازات» تنموية ولا خدمات أزمة الاستحقاق بين عدالة التمثيل والصلاحيات المتفلّتة

كتب د. حسن محمود قبيسي* في صحيفة اللواء

تتجدّد أزمة المناصفة وصلاحيات محافظ بيروت المتفلّتة من أي ضوابط مع كل حديث عن الانتخابات البلدية في بيروت، وبعد ظهور النتائج تتلاشى في غياهب النسيان، وتتجدّد مع كل استحقاق بلدي.
في أعداد الناخبين ونسب المقترعين من تيار المستقبل وجماهيره، والتزامهم قرار قيادتهم ضمانة للمناصفة الضيزى في المجلس البلدي لبيروت العاصمة، بعرف أرساه الرئيس الأسبق رفيق الحريري وكرّسه خليفته الرئيس سعد الحريري، وعمل به المستقبليون وعموم المسلمين على مضض وساروا فيه على غير قناعة، مستذكرين «ما لنا لنا وما لكم لنا ولكم» في كل غُنم في «الشراكة» (التسمية التي أطلقها الكاردينال الراعي على المواطنية اللبنانية)، مناصفة لم تخدشها الصلاحيات المتفلتة للمحافظ العتيد.

في هذا الاستحقاق المرحلي، ارتفعت حدّة التوتر وازدادت الأزمة تعقيداً بعدما أعلن «تيار المستقبل» عزوفه عن المشاركة ترشيحاً واقتراعاً في هذا الاستحقاق؛ فاختلطت الأوراق وانقلبت الطاولة. لم تعد هناك ضمانة لوصول مكونات لبنانية إلى مجلس العاصمة البلدي، مما حمل المجلس النيابي على محاولة فرض المناصفة واللائحة المقفلة، فعَلَتْ الأصوات داعية لمقاطعة الاقتراع ورفض مصادرة الحريات والخيارات الحرّة والهيمنة والتسلّط والابتزاز بذريعة الحفاظ على العيش المشترك. فشل مشروع الترهيب والعنف الانتخابي خشية أن تفضح نسبة الاقتراع سخط الجماهير على نواب فرضهم القانون الانتخابي النيابي ممثلين عليه لا عنه.

عَلتْ أصوات المسلمين وخاصة السنّة الرافضة للمناصفة ولصلاحيات المحافظ المتفلتة من أي رقابة أو محاسبة أو مراجعة، مطالبة بسريان ما يجري في بلديات لبنان كافة على العاصمة بيروت ومجلسها البلدي، فهي لا تقلّ شأناً عن شبيهاتها؛ بترك الديموقراطية تأخذ مجراها وتعزيز صلاحيات المجلس البلدي التشريعية والتنفيذية، وتقليص «امتيازات» المحافظ القيصرية.
ويخوضها الثنائي الوطني (الشيعي)، وفي مقدمة دوافعه إظهار التفاف قاعدته الشعبية حوله رغم فداحة تكاليف «حرب الإسناد» الإنسانية والعمرانية والاقتصادية، ولا يهمّ وفق أي قانون انتخابي سيكون الاقتراع.
وعلى القاعدة ذاتها يخوضها حلفاؤهم.
وشاغل «الحزب التقدمي الاشتراكي» اكتساح المشروع الصهيوني سورية وما يتعرض له الموحدون الدروز؛ وانعكاس ذلك على لبنان وما قد يتعرض له السوريون المقيمون فوق أراضيه، نازحين وعاملين.
تمسّكت المرجعيات الكنسية والسياسية والفعاليات المسيحية بطرح شعبوي: المناصفة (رغم أن عديد الناخبين المسيحيين فيها يقارب الثلث، ونسب المقترعين دون الـ10% من مجموع المقترعين البيارتة) ولا مساس بصلاحيات المحافظ القيصرية، وإلّا فالعيش المشترك مهدّد، ونحن لا نفهم ما علاقته بقسمة لا مبرر لها ، ولا تعدو كونها لزوم ما لا يلزم.

وعلى أساسه تخوض تلك التشكيلات الانتخابات النيابية متحالفة في مدن و بلدات، ومتنافسة/ متصارعة في أخرى.

في ظل النظام المذهبي وتقاسم الطغمة الحاكمة المتسلّطة على مقدرات البلاد ومغانمها؛ لا نعوّل كثيراً على المجلس البلدي القادم ما لم تُعطَ له الصلاحيات التشريعية و التنفيذية أسوة بسائر المجالس البلدية الأخرى بحيث تقتصر صلاحيات المحافظ على الرقابة. نكتب ذلك بعيداً عن المناكفة والكيدية وكي لا نعود إلى تجارب المجالس السابقة وفشلها وشاللها نتيجة صراعات التوافقيين وجموح المحافظ.
في استعراض سريع لـ«إنجازات» تلك المجالس التوافقية، مجالس المناصفة والمحاصصة والتقاسم وقد يكون تمهيداً للتقسيم، نعدّد تقصير أعضائها وهي تُحَمِّله للمحافظ وحده، وتغسل أياديهم من رجسه، ومعظمهم فاسدين مفسدين مرتشين مستزلمين، حتى افتقرت العاصمة بيروت إلى ما لا تفتقر إليه أي عاصمة أو مدينة في العالم؛ فنستعرض على سبيل المثال لا الحصر: تقنين المياه والكهرباء وتلوث الفضاء وافتقارها إلى المَرائِب والمراحيض العامة، والحدائق والمنتزهات والمسابح الشعبية، وتكدّس أكوام النفايات – حيث لا توجّه لإحراقها أو إعادة تدويرها – في شوارعها وعلى أرصفتها التي تنتشر فوقها البسطات، وخوف المواطن من السير في تلك الشوارع بحفرها الكثيرة والكبيرة، وافتقارها إلى الزفت والصيانة وعجقة السير فيها، وصعوبة الانتقال الآمن بين طرفي الشارع، والمزدحمة بالدراجات النارية التي لا تراعي معظمها قوانين السير وشروطه، وتجوال الكلاب والقطط و…
لإنماء بيروت وتطوّرها وتطويرها لنقترع على أساس القانون الحالي، وليكن في أولويات الحكومة تعديل قانون الانتخاب البلدي لبيروت – إن يسمح الدستور بانفرادها – بإقرار نسبة تتلاءم وأعداد الناخبين، وتصويب آلية العمل وتحجيم صلاحيات المحافظ – ذريعة الأعضاء البلديين لتبرير فشلهم – بما لا يسمح له بشلّ نشاطات المجلس البلدي.
بذلك تكون بيروت عاصمة نستحقها لوطن نحبه.
* مؤرخ وكاتب سياسي