أفكار وآراء

الأسر في سجون الأنظمة الاستبدادية: صمودٌ لا ينكسر

بقلم: المحامي عمر زين*
في 15 ايار اليوم الدولي للأسر، نلتقي لنعيد التأكيد للعالم على أن الأسر لا يقتصر على الحبس خلف القضبان، بل هو نضال دائم من أجل الكرامة والعدالة التي لا تحتمل التسويف أو التنازل.
إن الأسرى، سواء في السجون السياسية أو المعتقلات العسكرية، هم رموز حية للأصوات التي لا يمكن إسكاتها مهما طال الزمن.
يجب أن نتذكر أن هؤلاء الأسرى ليسوا مجرد أرقام في السجلات، بل هم أفراد جسّدوا بالأمل إيمانهم بالتغيير من خلال شجاعتهم وصمودهم، وهم الذين وقفوا في وجه الظلم ليحملوا شعلة الحق في زمن تعصف به الصعوبات.
وفي الوطن العربي، تتنوع وتتشابك صور الأسر بين الاعتقال السياسي التعسفي، والتجريم تحت مسوغات قمعية، وغياب العدالة الذي يزداد استفحالًا في ظل الأنظمة الاستبدادية.
العديد من الأسرى يُحرَمون من حقوقهم الأساسية، مثل حقهم في محاكمة عادلة، إذ يُسجنون دون دفاع قانوني أو حقهم في الطعن ضد الأحكام، وفي بعض الأحيان لا يعرفون التهم الموجهة إليهم أو المدة التي سيقضونها في السجون، وهذا ما يحصل في سجون الاحتلال الصهيونيّ وأمام أ‘ين ومسامع العالم والمؤسسات الاممية خاصة.
إن هذه السجون التي يحتجز فيها الأسرى ليست مجرد جدران أو قضبان حديدية، بل هي تجسيد حقيقي لغياب العدالة وعدم سيادة القوانين.كم من أسير حُرم من أبسط حقوقه كالتواصل مع عائلته أو محاميه أو حتى تلقي العناية الصحية التي يحتاج إليها.
ومع ذلك، وبالرغم من هذه الظروف القاسية، يظل الأسرى نماذج حية للنضال المستمر وأمثلة حقيقية على الصمود الذي لا يلين أمام آليات القهر، فإيمانهم بحريتهم لا يتزعزع، وعزيمتهم تزداد قوة في مواجهة التسلط.
وبصفتي محاميًا، أؤكد أن مسؤوليتنا لا تقتصر على الدفاع عن الأسرى في محاكمات غير عادلة، بل هي مسؤولية أعمق للدفاع عن حقوقهم الإنسانية الأساسية.
دورنا، نحن المحامون، أن نكون الصوت الذي يُسمع في كل محكمة، المدافع الذي يقف في وجه الظلم، ونتحدى محاولات إخفاء الحقيقة.
لكن لا يمكننا إغفال الدور الحيوي للمجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في دعم قضية الأسرى.
فالمجتمع المدني، الذي يمثل الدرع الواقي للحقوق والحريات، يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من المعركة المستمرة من أجل إنصاف الأسرى، ويجب أن يستمر في الضغط على الحكومات والمجتمع الدولي لدعم القضايا العادلة التي تخص هؤلاء الأبطال.
يجب على منظمات حقوق الإنسان، سواء الدولية أو المحلية، أن تواصل مراقبة أوضاع الأسرى، وتوثيق الانتهاكات التي يتعرضون لها، وتقديم الدعم القانوني والإعلامي لرفع قضيتهم في المحافل الدولية.
كما أننا بحاجة إلى تبني تشريعات خاصة تحمي حقوق الأسرى وتؤمن لهم بيئة قانونية تضمن حصولهم على محاكمة عادلة.
نحن في حاجة ماسة إلى محاكمات شفافة لا تخضع للضغوط السياسية، إلى قضاء مستقل يعكس العدالة والإنصاف ويحكم وفقًا للمواثيق الدولية والمعايير الإنسانية.
ختامًا، “الأسرى ليسوا فقط ضحايا للقمع، بل هم شهداء للحرية وأبطال في معركة الحق.”
نحن، كمحامين وكعناصر فاعلة في مجال الحقوق الإنسانية، نتحمل مسؤولية رفع هذا الصوت الذي لا يُسكت، والعمل بلا تهاون حتى يتحقق لهم ما يستحقونه من حرية وعدالة.
إن الحرية لا تُقاس بما يحيط بالإنسان من جدران، بل بما يحمله قلبه من إيمان لا يتزعزع بالعدالة والحق.
وكل أسير، مهما طال الزمن، يظل رمزًا للنضال الذي لا يتوقف مهما كانت التحديات.
“لن يسكتنا السجن، ولن يقتلنا القيد، فإن الحق سيظل ينير الطريق مهما حاولوا إخفاءه.”
*الامين العام لاتحاد المحامين العرب(سابقا)
*رئيس اللجنة الوطنيَّة للدفاع عن الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيونيّ.