أفكار وآراء

خـطـوط بيـانات وعِبَـرْ.. أو: ” تعالوا إلى تفاهم الضرورة ” !

بقلم د. حياّن سليم حيدر

 

هناك خطّ بياني، أي أنهّ خطّ يوصل الأحداث بعضها ببعض مبينّاً ترابطها، بمعنى السبب والنتيجة …

وهو، بين الإستخفاف والتعظيم، يرتبط إرتباطًا جسديا بمبدأ المحاسبة… أو قلُْ بغياب ها.

يا أيها البشر، عندما يقوم الشرّير بعمل مجرم، مُدان، مستنكر، يستوجب الردّ عليه بعقوبة، تتناسب مع فكرة الجريمة وخلفيتها وحجمها وأثرها على البشر والبشرية، وهي غالباً ما يكون منصوص عليها في القوانين الدولية، المسمّاة إنسانية، وما شابه. و عندما، أيها البشر، لا تحُاسب (بكسر السين وفتحها) على الجريمة، فأنت تقول وتقبل وتصرّح وتسمح بـِ ولِ تكرارها، لا بل لارتكاب أفظع منها وأكبر وأجرم.

ولنترك جانبًا الجرائم العالمية التي لا تحصى ولا تعُد، ولنعود، متقوقعين، إلى حيزّنا اللبناني الضيّق ،ولكن الذي لا يمكن فصله عن باقي العالم وعن سائر البشر، ولنستعيد معاً مُسلسل الجرائم الكبرى الحديثة، ما زالت، على لبنان.

نحن ندرك أنهّ سيبقى فاعل وسبب ونتيجة الجرائم وجهة نظر لدى كُثرُ من اللبنانيين، وهذا تمامًا سبب من أسباب إرتكاب الجريمة في الأساس، غير أنّ هناك جرائم دولية الحجم وقد عُ رِ فَ فاعلوها، بالحقيقة وبالتحقيق، بالإعتراف،… ولو بعد حين، وبالإستنتاج، كان المفترض بعد حصولها أن يتوحّد اللبنانيون حول مراميها ومفاعيلها، ولو من قبيل حرصهم على كشف الحقيقة وتحصيل الحقّ من طريق المحاسبة وفي النهاية، وهو الأهم، منع تكرار الجريمة.

ومنها، ولنترك الجرائم المحلية الصنع والمفاعيل، الخارجية التصميم دائمًا، ولنركّز على جرائم العدو الإسرائيلي الواضحة ،المثبتّة والمعترف، لا بل المُتبَاهى بها، وتلك التي ما زالت قيد الإعتراف، ونبدأ :

مجزرة حولا، عام 1949، واعتبار أهل الحكم أنّ الأمر لا يعنيهم .

وقف الضخّ على نبع الوزّاني، عام 1964، وكان يومها لدينا رئيس صهر الحنونة وداعية حماية لبنان بعلاقاته الدبلوماسية المميزة . وبترابط الأحداث،والعِبرَ منها، عندما لم نحاسب على عدم السماح للبنان بإعادة بناء رادار الباروك المُدمّر من العدو… فبعد نصف قرن، أي الآن، لن يسُمَح لك بإعادة بناء مضخّة الوزّاني، وهو البرهان أنّ الأمر تراكمي متواصل… أي “خط بياني …”

لو كانت هناك مساءلة للهجوم على كهرباء بصاليم، لما كان الهجوم المدمّر على محطة الجمهور ليحصل … وأعني بذلك نور لبنان: الكهرباء.

ونتابع.

لو كانت هناك محاسبة على قصف منتجع السمرلاند من البحر بـ ِ 365 قذيفة فجّرت أهمّ معلم سياحي بحري في الشرق، مع تساؤلنا هل قصد العدو بذلك عدد أيام السنة أو عدد الغرف… (تجدون العِ بْرة من الخط البياني هذا في (*) أدناه)…

كان هناك إعتداء على طائرة مدنية لبنانية في عام 1950 … نعم 1950. هل تذكرون؟

وفي العام 1968 كان الهجوم على مطار بيروت، ويتباهى الآن النتن ياهو (ما غيرو يا ناس) بأنهّ كان في عداد المقتحمين. لو كانت هناك محاسبة لمن قدموا القهوة لطياري العدو بعد تدميرهم أسطول الطائرات المدنية اللبنانية لما كانت “حادثة” حفلة الشاي في ثكنة مرجعيون في العام 2006.

وعندما “كَلّ مَتنْي…” من التكرار، ولم تحاسِب مَن لا ينف ذّ القرار 425 لمدة 22 عامًا، فأنت تفتح المجال للمعتدي كي لا يحُاسَب على عدم تنفيذ أيّ من موجبات و”مندرجات” القرار 1701.

ولو كانت هناك محاسَبة للعدو على جريمة قانا 1، على فعلته الموثقة في العام 1996 لمجزرة النساء والأطفال (100 شهيد وشهيدة وعشرات المصابين) المُحْتمَين في قاعدة “فيجي” التابعة لقوات السلام الدولية، والتي أفدت إلى تفاهم نيسان، وبلغة الذين يشبهوننا، لو قال اللبنانيون، كلّ اللبنانيين، “جو سوي قانا” (Je suis Kana) يومذاك… لما كانت مجزرة قانا 2 في حرب تموز 2006 التي أنتجت القرار 1701 الأحادي الموجبات والتنفيذ وبالتالي المبتور الفعالية.

ولو كانت محاسَبة فعلية ، صحيحة ، وأشدّد على كلمة فعلية، على جريمة 14 شباط 2005 التي حصلت في وسط بيروت بصاروخ مزوّد بآخر تقنيات التكنولوجيا الكونية، لما كانت فاجعة 4 آب 2020 في مرفأ بيروت بصاروخ، أحدث تقنيا، وكلا الحادثتين الشنيعتين حصلتا بتغطية مفضوحة من قوى الغرب الناتوي وليس أقلّ دلالاتها إمتناع هذه القوى عن تسليم هيئات التحقيق، اللبنانية والدولية منها، الصور الجوية للحظات الجريمتين العالميتين. لو “هُ بِطّت الحيطان” يومها، لكنت حصّلت حقك القانوني والإنساني والمعنوي والمادي !…

وبهذا المنطق سلمّنا بأنّ ليس هناك من “إجماع وطني”، حسب زعم ظاهرة صوتية ،شخص “معني ،” عالي المرتبة “السياسية / الأمنية”… حول التهديد التكفيري الكامن في السلسلة الشرقية للبنان ،وفي الواقع ينسحب على ذلك أنّ، ليس من إجماع وطني على أيّ موضوع مصيري في لبنان، ولا مَن يحاسب (السين بالكسر والفتح ، ومعها اللبناني) !

ولن نتمادى في ذكر سائر الجرائم الموّثقة في “الزمن الجميل”…

هذا العدو لم يلتزم يومًا بقرار أممي واحد بما في ذلك قرار إنشائه المزعوم رقم 181، ولم يوقعّ إتفاقية حقوق الإنسان (غالبًا لأنهّ ليس من جنس الإنسان) ولم يعترف بالمحاكم الدولية لا بل هو الذي مزّق ميثاق الأمم المتحدة من على أعلى منبر لها ومن ثمّ أعلن أمينها العام شخصًا غير مرغوب به، ومع ذلك لا محاسبة لأيّ جريمة يرتكبها مهما كبرت. فالجريمة واضحة، ولها “بطل” معروف بالإسم وبالشركاء وبالطرق المستعملة وبالأسلحة وبالمبالغ المصروفة وبالمنتفعين وبالمتضرّرين منها، وبالمحاكم العالمية والدولية المُتحََكّم سلفاً بقراراتها. ولذلك، لا إمكانية من المحاسبة عن الإنهيار الأخلاقي المُعاش والمُشاهَد حيا منذ العام 2023 طالما إننّا لا نحاسب.

(*) وعندما لم نحاسب على أيّ ممّا سبق ،تمادى العدو في ممارسة إجرامه، فكريًا وعقائدياً وعسكرياً وسياسيًا وإعلامياً في 365 من أيام السنة مستندًا إلى سكوتنا.

ولا تنسوا… فبالنسبة للعدو، كلنّا نشبه بعضنا..

خـطـوط، بيـانات وعِـبـَرْ …!

أمّا الخطوط؟ فبِكلّ الألوان: أحمر، أصفر، أخضر… وهي لا تردع إلاّ الضعيف،

أمّا البيانات؟ فواضحة : من جريمة محلية إلى جريمة عالمية فإلى جرائم حرب وضدّ الإنسانية وإبادة…

وهي لا تعني المارق ،الخارج عن القانون،

أمّا العِبرَ؟ وما أدراك ما العِبرَ التي لا يستنتجها اللبنانيون ولا يعملون بدروسها… ما أدراك!

وماذا تقترح؟

لن أكرّر قصّة الديك الذي رضخ لطلب عدم الصياح عند الفجر فكان أن طُلِب منه “المُقاقاة” كما “الدجاجات…”

وحتى يوم شهداء لبنان ألغاه لبنان الرسمي عملًا بمنطوق اللامحاسبة. لهذه الأسباب مجموعة ولغيرها حتمًا من الأسباب نقول: تعالوا إلى “تفاهم الضرورة” يضع للضرر حدا… تعالوا، مفجوعو قانا (1996 و2006) و14 شباط 2005 وتفجير المرفأ 2020، تعالوا نضع الكيد جانبًا لمرّة مُرّة، تعالوا إلى وقفة واحدة في مواجهة عدو أوحد معروف، تعالوا إلى إقامة نصب تذكاري واحد مشترك في ساحة الشهداء ليمثل كلّ منكوبي لبنان من عدو كلّ لبنان.

خـطـوط، بيـانات وعِـبـَرْ …!

خـطـوط مشيناها…، وبيـانات كُتِبتَ علينا ،… وعِـبـَرْ ما زلنا لا نريد أن نستخلصها…!

 

بيروت، في أول حزيران 2025م . حيّان سليم حيدر

باحث عن… فسحة من الأمل