مجدلا :عيون الغزلان رايحا مشاوير بعاد
بقلم الاعلامية سلام اللحام
ثلاث سنوات على الغياب ولا زال عطرُك يفوح في أرجاء الفنّ اللبنانيّ الأصيل ، وما برحت “عيون الغزلان “تغوص في “بحر اللولو” باحثةً عن تلك العينين اللامعتين العاشقة للحياة الفرح والحبّ، لترحل إلى قدرمختلف وفراغ موجع ، تاركة “عبث الشّوق” في آهاتنا ،وأرشيفًا لايُستهان به من أغنيات وحكايات تُخبرنا عن مجدلا الّتي صدح صوتها في كل الأرجاء والمهرجانات والمحافل الدّولية ، فسطعت نجمة كسرعة البرق في سماء الفنّ ،وولا تزال أغنياتها تنسجُ سهر ليالينا وتغلغل في حنايا أشواقنا .
إنّها ابنة إيليا مكرزل وبيت مشرّعة أبوابه لأهل السّياسة والفنّ وكل النّاس.«والدي كان شخصية بارزة، يحبّ النّاس ويعشق الحياة وفاتح بيتو ملتقى للسياسيّين ، وأيضا للفنّانين بينهم وديع الصافي، هيام يونس، نصري شمس الدين، الذين كانوا يقصدوننا بدعوة من والدي للاحتفال بعيده، ليلة عيد مار الياس، وكانت ليلتها الكحالة كلها تولع غناني ورقص وفرح”.
في هذا الجو المنفتح على شؤون الناس وأهل السياسة والفن كبرت مجدلا، واكتشفت جمال صوتها وكانت تغني في المنزل وأمام بعض الضيوف وخصوصًا للمير مجيد “كنت غنيلو ليالي الأنس” “للمطربة أسمهان”، كما في سهرات مع أهلها.
في صباها انتمت مجدلا إلى جوقة في المدرسة التي اكتشفت موهبتها، فكانت ترتل وهي في السادسة عشرة من عمرها ويُسمع صوتها في الاذاعة اللبنانية. شاءت الصدف وسمعها في إحدى المرات الفنان روميو لحود ترتّل في الكنيسة، وكان مطلوباً منه حينها بأن يأتي بوجه جديد يعتلي مسرح بعلبك بعد الفنانة فيروز والشحرورة صباح.
سأل حينها روميو عن صاحبة الصوت، وعندما علم بأنها ابنة إيليا مكرزل، توّجه إلى منزل الأخيرة برفقة الشّاعرة ناديا تويني والفنانين زكي ناصيف ووديع الصافي، طالباً من والدها الإذن بأن يتبنّاها ويكون عرابها في عالم الفن، ليقدّم عرضه الأول الكامن بوقوفها على أدراج مهرجانات بعلبك. والد مجدلا عارض الأمر في البدايةلأنّه كان خائفاً من أن يتمَّ استغلال ابنته من عالم الفن خارج أسوار منزله، لكن هذا الرفض تبدد بعدما وافق على مشاركتها فقط في المهرجانات.
هكذا سطع نجم مجدلا في المهرجانات واعتلت المسارح ،وذاع صيتها في كلّ مكان لتنطلق في نشاطها الاولّ مع مسرحية “الفرمان” عام 1970، من تأليف الشاعرة نادية تويني ومشاركة الممثلين والفنانين أنطوان كرباج، جوزف عازار، سمير يزبك، نبيه ابو الحسن، شوشو، عصام رجّي، فرقة كاركلا، وتوزعت الألحان في هذا العمل ما بين زكي ناصيف وروميو لحود وعصام رجي، حيث خضعت مجدلا لبروفات على مدى ستة أشهر، درّبها على الغناء حينها الفنّان زكي ناصيف، وعلى التّمثيل الفنان أنطوان كرباج. كما شاركت في العديد من المقاطع الغنائية من تأليف وتلحين إيلي شويري إلى جانب العملاق وديع الصّافي ، ملحم بركات وجورجيت صايغ، و خلال الفترة الممتدة من العام 1970إلى العام 1975 تعاونت مجدلا مع نخبة من الملحنيّن أمثال زكي ناصيف ، إلياس الرّحباني ، زياد الرّحباني وغيرهم.
مع اندلاع الحرب الأهليّة غادرت مجدلا لبنان برفقة زوجها نبيل خاطر وأمضت أكثر من عشرين عامًا في فرنسا ، حيث تكرّمت كثيراً رغم بقائها خارج لبنان، لتعود إلى وطنها وإلى شغفها في الغناء عام 2008 بفيديو كليب «غنّوا القصايد» من كلمات وألحان إيلي شويري بمناسبة العيد الوطني للجيش اللبناني .
في أيّار العام 2015 تسنّى لي اللقاء بمجدلا والتّعرف عليها حيث استضفتها في برنامجي الإذاعي ” نغمات” لأكثر من ساعة على الهواء مباشرةً ،حيث أكدت في حديثها عشقها للحياة والنّاس والفنّ :” ما فيّ عيش بدون موسيقى ، هو الأوكسيجين بالنسبة إلي ومصدر فرحي ” ، كاشفة عن رفضها من فترة ليست بالبعيدة عرضًا تلقته للوقوف مجدداً على أدراج مهرجانات بعلبك، لكنها رفضت حينها لأنها لم تر أمامها سوى عودة يكللها عنوان “الفن التجاري” فرفضت،واعتبرت أنّ “فن اليوم مليء بالحسد والشر، ولست نادمة على شيءلأنو محبة النّاس بتكفيني “.
في الأول من شباط من العام 2020 وبعد صراع مع المرض ، طوت مجدلا أجمل الذّكريات واستعجلت الرّحيل ،تاركةً محطاتٍ مشرقة في البال ، راسمةً حكاية نجمة لبنانيّة لا تُشبه إلاّ ذاتها .