أفكار وآراء

لبنان الرسمي لاورتاغوس: الحل سياسي وديبلوماسي

كتب نقيب محرري الصحافه جوزف القصيفي في صحيفة الجمهورية

إنّ المنطق السليم الذي ينسجم مع الدور الذي ينبغي أن تقوم به الدولة، أي دولة، هو أن لا يكون هناك سلاح خارج سلطتها الشرعية، وأن تتولّى هي مهمّات الدفاع عن السيادة الوطنية وفرض الأمن والاستقرار. ولا يختلف اثنان على هذا المبدأ. وفي لبنان، وبعد الحرب الإسرائيلية المدمّرة عليه ووقف إطلاق النار الذي يستند إلى تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701، ازدادت المطالبة المصحوبة بالضغوط على الحكومة اللبنانية بنزع سلاح «حزب الله» طوعاً أو بالقوة، وعدم الاكتفاء بما تحقق في منطقة جنوب الليطاني، وأن لا تكون هناك حاجة لحوار مع الجهة المستهدفة لتحقيق هذا الغرض.

وهذا يعني في رأي جمهور المقاومة وبيئته نوعاً من الإملاء الذي يمارسه غالب على مغلوب، في حين أنّ الغالب في هذه الحرب- إذا جاز استخدام هذا التوصيف-هو إسرائيل التي استندت إلى تفويض أميركي مطلق جعلها طليقة اليد في ارتكاب وما ترتكب من جرائم. وعلى رغم من كل المبررات التي يتحصن بها خصوم الحزب في الخارج والداخل، وما تحمله زيارات الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس إلى لبنان ولقاءاتها مع المسؤولين وبعض القوى السياسية فيه، فإنّ قراءة واقعية للمشهد الدولي والإقليمي وانعكاساته المباشرة على الوضع في الداخل اللبناني، تجعل من الصعوبة بمكان مقاربة موضوع سلاح «حزب الله» من زاوية المعادلة آلاتية: التسليم بالحسنى أو بالقوة. خصوصاً أنّ الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة في الجنوب، لا بل الدائمة وبلوغها الضاحية الجنوبية لبيروت، والضبابية التي تلفّ المشهد السوري والذي انعكس توتراً كبيراً على الحدود الشرقية بقاعاً، ونزوحاً عبر البوابة الشمالية بعد مجازر الساحل، والذي رتّب عبئاً مضافاً على أزمة النازحين السوريين التي عانى منها لبنان ولا يزال منذ العام 2011، يلقي بظلاله الثقيلة.

وبالتالي، فإنّ هذه التطورات جنوباً وشرقاً وشمالاً ولّدت مخاوف لدى الحزب وبيئته لا يمكن تجاهلها، إذا لم تكن الغاية فعلاً من نزع السلاح هي الوصول إلى الاستقرار الشامل، بحسب ما يرى أحد الناشطين السياسيين في هذه البيئة. وهل يستقيم الاستقرار – وفق هذا الناشط- و«في لبنان ما يزيد على المليوني نازح سوري، فيما يعلن أحمد الشرع أن ليس في إمكانه إعادتهم في المستقبل المنظور لعدم جاهزية دولته لتوفير المقومات الأساسية لعودة طوعية كريمة في ظل استمرار العقوبات عليها؟»، ومن دون «أن ننسى أيضاً وضع المخيمات الفلسطينية ومشاريع توطين سكانها»، عدا رفض إسرائيل الانسحاب من النقاط التي تحتلها في الجنوب، وتجاوزها اللجنة الدولية لمراقبة وقف إطلاق النار ومعالجة الخروقات. فتل أبيب لا تسهّل عمل الجانب اللبناني على رغم من أنّ الجيش أصبح مسيطراً على الوضع في منطقة جنوب الليطاني ويلقى تعاوناً من «الحزب» باعتراف الطرفين، لأنّ ترك أمر المعالجة للدولة والجيش بعيداً من الضغط العسكري والسياسي والإعلامي، يمهّد ألارضية الملائمة لجدولة موضوع السلاح وحصره بالدولة. فـ«حزب الله» وفق مصادره، هو في «مهداف العدو الذي لا يحترم قرار وقف إطلاق النار الذي التزم به الحزب، ويقوم بتطبيقه».

كذلك تلفت هذه المصادر إلى الخطر آلاتي عبر الحدود الشرقية مع لبنان، «حيث التوتر عالٍ والحساسية ذات البعد المذهبي مرتفعة». وقد حاول الجانب اللبناني الرسمي أن يشرح لاورتاغوس دقّة الوضع، وخطورته على المستوى الداخلي في لبنان إذا لم تكن هناك خطة مدروسة ورؤية واضحة لموضوع السلاح الذي يستحيل حسمه بالقوة، من دون أن يعني ذلك تخلياً من الدولة عن مبدأ حصرية السلاح بها. وبالتالي، فإنّه لا يمكن التسليم بروزنامة زمنية محدّدة لإنهاء هذا الأمر. وإذا كان المطلوب من لبنان أن يمتثل بسرعة لإملاءات واشنطن وتل أبيب، فماذا عن موقف هاتين الأخيرتين، سواء بالنسبة إلى الانسحاب ووقف الاعتداءات والمباشرة بإعادة الإعمار وعدم وضع العوائق أمام المهجرين، خصوصاً في منطقة الحافة الحدودية.

وترى جهات رسمية أنّ الحلول للأزمة ليست عسكرية وأمنية فحسب، بل هي سياسية واجتماعية بدرجة أولى، وعلى الجميع دولة واحزاباً وقوى، التعاون على إنضاجه بحوار موسّع وواضح وشفّاف، يضع الخطوط العريضة لآفاق المرحلة المقبلة، على أن لا يكون حواراً للحوار، وخلاف ذلك سيكون مزيداً من التوتر الداخلي بين الأفرقاء، في حين أنّ إنتاج التوتر لن يكون في مصلحة أحد، خصوصاً أنّ الوضع الراهن هو أفضل مما كان عليه، ويمكن البناء عليه لاستعادة الثقة تدريجاً. وهذا الأمر لا يدوم ولا يتقدّم إذا استمرت سياسة السقوف العالية لدى الأطراف. فليس في استراتيجية الأمن الوطني التي اقترحها رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون ما يتعارض مع مبدأ حصرية السلاح بيد الدولة، وليس في مؤتمر المصالحة والمصارحة وتنقية الذاكرة الذي دعا إليه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي والرئيس السابق للجمهورية أمين الجميل، ما يشتمّ منه مساساً بدور الدولة وصلاحيتها في مجال الدفاع الوطني. وهناك ثمة ما يجب التذكير به، وهو أنّ لبنان هو بلد معقّد التركيبة وحلول مشكلاته لا تكون مبسطة، فلكل مشكلة حل ينسجم مع طبيعتها، والّا تكون «الدعسة ناقصة».

ومن هنا يحرص لبنان الرسمي بكل مستوياته على أن لا يؤدي الاعتداء الإسرائيلي المتمادي، والضغط المتواصل على الدولة والجيش إلى عكس المتوخى منه، فيدخل البلاد في المحظور. لقد كانت العبارات التي توجّهت فيها اورتاغوس إلى المسؤولين اللبنانيين أقل قسوة وأخف نبرة من زيارتها السابقة، وتنوعت أحاديثها ومطالبها، وتبين لهؤلاء انّها تفتقر إلى مرونة سلفها آموس هوكشتاين وقدرته على تدوير الزوايا وطول أناته، لكن مضمون كلامها ظل هو هو ولم يتبدّل، ولم يحمل تهديداً مقروناً بجدول زمني محدّد على رغم من أنّ المهلة غير مفتوحة كما تناقلت المعلومات. الدولة اللبنانية بمستوياتها كافة أجمعت على أن لا حل إلّا بالسياسة والديبلوماسية، وهذا ما أبلغته إلى جميع المعنيين في الداخل والخارج، وهي كانت واضحة وصريحة، وتمتلك من المعطيات والمعلومات ما يحملها على السير في هذا الموقف، لأنّ لا بديل له سوى إستعار العنف في كل الاتجاهات مع ما يحمل ذلك من محاذير وأخطار.