طيور أيلول تُقلع عكس الزّمن إميلي نصر الّله هاجرت
خمس سنوات على الغياب ، وما برحت رواياتك سيّدتي محفورة في سجلّ ذاكرتنا ، تقلع عكس الزّمن .
من ينبوع الحياة استوحت إميلي نصر الله رواياتها ، من كفاح القرية والفلاحة التي مارستها بيديها اختمرت قصصها ، من طفولة أولادها وأحفادها ومن جيرانها وصديقاتها روت تجاربها ،لتحلّق برومانسيّة عذبةوسلاسة مَرِنة متناغمة مع الأحداث والفصول فأقلعت رواياتها عكس زماننا ،ورافقت الأطفال الذين أغرموا بحكايات بطلتها «أندا» وأحبوا حقولها وأزهارها، فلحقوا بها وهي تسافر بهم إلى بلاد الثّلج والصّقيع، تنقلهم أينما ذهبت وارتحلت وكأنّما هي هذه المرأة التي تريد لقارئها أن يرى الدّنيا بألوانها وجمالاتها وأضدادها ،فتنغمس تجاربها في حنايا الرّوح دون تجميل في الّلفظ أو تنميق مصطنع أو فصاحة متزلّفة . فكانت قصيدتها الأرض ،ديوانها الناس بعواطفهم وقصص حبّهم المجلّلة بالشّجن، وملاعب الصّبا والهوى.
أديبة الأيام الأولى، والنّصوص المبكرة التي تبقى ولا ننساها. إنّها شعلة من نور
إنّها الأديبة «الفلاّحة»، كما كان يحلو لها أن تطلق على نفسها، ولدت في «كوكبا»، ونشأت في قرية والدتها «الكفير» الجنوبيّة التي لم تكن صفوف مدرستها تتجاوز الثّالث الإبتدائي،لكنها بطموحها وإصرارها وصلت إلى «الجامعة الأميركيّة» رغم ضيق الأحوال . عملت معلّمة، وصحافية حيث أجرت تحقيقات، وكتبت مقالات، واهتمّت بقضايا النّساء، وهذّبت قلمها وعمّقت معارفها.
منذ روايتها الأولى «طيور أيلول» التي صدرت عام 1962 لقيت صدى بديعًا، ترجمت إلى أكثر من لغة بينها الإنجليزيّة والفرنسيّة والألمانيّة استطاعت من خلالها اختراق الحواجز، وفرضت الإهتمام بها على المعنيّين بالثّقافة، فقدمها كبارهم على أنها تمثل فتحًا في عالم الرّواية، وتسقط الحواجز الوهمية بين أدب الرجال والأدب النسائّي، ان صح مثل هذا التصنيف على الإبداع. من حينها وإميلي نصر الله لم تتوقف عن الكتابة. فقد تبعت روايتها الأولى بـ«شجرة الدفلى» و«الرهينة» و«الباهرة» ثم «الإقلاع عكس الزمن». وكتبت القصص القصيرة، والدراسات. وكانت حريصة قبل وفاتها على إصدار كتابها «الزّمن الجميل» الذي يضمُّ نصوصاً مؤثرة. وبالفعل صدر الكتاب قبل أن تغادر الحياة بأيام قليلة. وفي الكتاب تتحدث إميلي عن نفسها، ورحلاتها خارج لبنان، ونساء أجرت معهم مقابلات. هو مجموعة نصوص عن حياتها في الصحافة في الهند ودمشق ولبنان، وروسيا، وغيرها. ويزدان الكتاب برسوم بالغة الأهميّة، لأن الأديبة أثناء عملها الصحافي في «دار الصّياد»، كانت تصطحب معها لإجراء تحقيقاتها الرّسام جان مشعلاني، ليرسم لوحات ترفقها بموضوعاتها عند النشر. وعندما مرض مشعلاني وذهبت لتزوره وكان متعباً كثيراً فاجأها برسوم أنجزها أثناء مرافقته لها لم تكن تعرفها، فكانت حافزها الأكبر لنشر النصوص التي أبصرت النور مؤخرًا. وتقول إميلينصر الله في مقدمة الكتاب عن مشاعرها حين تأبّطت الرّسوم «شكرتُ جان على تلك البادرة وودَّعته، ثمّ حملتُ ملفّ الرّسوم وكأنّي أحمل كنزًا ثمينًا وخرجت”.
نالت إميلي نصر الله جوائز عدة منها «جائزة الشاعر سعيد عقل» في لبنان وجائزة مجلّة «فيروز»، و«جائزة جبران خليل جبران» من رابطة التراث العربي في أستراليا. كما منحت في عام 2017 وسام معهد «غوته» الفخري الرّسمي لتميّزها في إثراء الحوار الثّقافي على رواية «يوميات هرّ» .
اليوم وبعد مضيّ خمس سنوات على الفراق ،ستبقى أعمالك محفورة في سجلّ يوميّاتنا وعلى مقاعد دراستنا وفي وجداننا.
الإعلامية سلام اللحام