المرتضى من طرابلس:لتلبية دعوة الرئيس بري للحوار وشهادة الرئيس رشيد كرامي زادتنا قناعةً بأن لقاء الشعب اللبناني قدرٌ لا مفرَّ منه وقرارٌ لا رجوع عنه
تساءل وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى كيف لعاقل او وطني ان لا يسارع الى تلقف دعوة الرئيس نبيه بري للحوار :”وهي دعوة جدية وحكيمة وصادقة ، فتحت كوة نور في جدار ازمة الاستحقاق الرئاسي .” معربًا عن خشيته ان نكون امام فرصة اخيرة.
وأضاف :”فلماذا يصر البعض على عدم التجاوب معها وهي التي اتت غير مشروطة ، داعيا الى العدول عن المماحكات والنكايات والشعبوية والركون الى تحكيم العقل والحس الوطني السليم وتقديم المصلحة العامة والاستفادة من هذه الفرصة عساها تفضي الى انتخاب رئيس كمقدمة لبدء اجتراح حلول جذرية لازماتنا الأخرى فنجنّب بذلك لبنان واللبنانيين الانزلاق الى ما تحمد عقباه.”
كلام الوزير المرتضى جاء خلال رعايته وحضوره الحفل الذي اقيم احتفاء من انتهاء اعمال الترميم الأولى في قصر نوفل “مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي ” في طرابلس ، الذي نظمته بلدية طرابلس وبعثة الإتحاد الأوروبي وبرنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان، كما اعلن على هامش الحفل توقيعه على القرار المتعلق بتشكيل الهيئات التي ستتولى إقامة فعاليات “ظرابلس عاصمة للثقافة العربية 2024 .
ومما جاء في كلمة المرتضى :”
تدفعُني هذه المناسبةُ إلى التأمّل في ثلاثة عناوين تزيِّنُ الاحتفال: المكان، والفعلُ والزمان .
أما المكانُ فطرابلس التي ضاقَ يومُها بأوصافِها، فانكفأت إلى غنى تاريخِها وفاقةِ حاضرِها. لكنّها بقيت في كلِّ حالاتِها ملتقًى وحاضنةً لعيشِ المعيّة الذي هو أساسُ الوطن اللبناني، والذي يتعرّضُ الآن لموجاتٍ من دعوات التنصّل غير البريئة، يُرادُ منها هدمُ هذه الصيغة الجميلة الفريدة. ولعلَّ أفضلَ ما يُعبّر عن عيش المعيّة في طرابلس، هذا المكانُ الذي نجتمع اليوم فيه احتفاءً بترميمه: قصرُ نوفل/ مركز رشيد كرامي الثقافي البلدي، اسمان لكيانٍ واحد، متعانقان معًا كما يتعانق في النهر اسمان آخران، قاديشا وأبو علي، لتشهد طرابلس من القصر إلى النهر، مرورًا بشوارعِها وساحاتِها وأبنيتِها ومن يسكنون فيها، أنّ لقاء الشعب اللبناني قدرٌ لا مفرَّ منه، وقرارٌ لا رجوع عنه، لأنّه العنوان الحضاري الذي ينبغي لنا أن نُحافظ عليه نموذجًا للإنسانية جمعاء. ولنتذكَّرْ كذلك أنَّ هذا اللقاء عبّرت عنه طرابلس أيضًا بأبجديةٍ أخرى، من لحمٍ ودم، من عمرٍ حي واستشهادٍ حي، هي مسيرةُ الرئيس الشهيد رشيد كرامي الزاخرةُ بالاستقامة وصدق العمل من أجل لبنان، وبالمحافظة على القيم الوطنية العليا، وعلى أصول الدولة وحقوق الشعب، والتي توَّجتْها شهادتُه في سبيل الوحدة الوطنية والسلام بين اللبنانيين. ودمُه الذي خضّبَ السماءَ قبل أن يسقيَ الأرض، سيظلُّ كتابًا مفتوحًا يا معالي الوزير تقرأ فيه أنت ونقرأ فيه نحن وتنهل منه الأجيال كلَّ معاني الوطنية.
وأضاف :”أما الفعلُ أيّها الأحبّة، فالأيادي البيضاء للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي التي أعادت تأهيل هذا القصر، استجابةً لطلب بلدية طرابلس. إن تعاون المنظّمة الدولية، والدول الصديقة مع لبنان على المستوى الثقافي، ولا سيما لناحية الحفاظ على مكوّنات تراثنا الحضاريِّ أمرٌ بالغُ الأهمية، لأنَّ ترميم أيِّ موقع أثري أو تراثي، إنّما هو في عمقه ترميمٌ للزمان قبل المكان. لكنَّ أمرًا أساسيًّا ينبغي لنا كلِّنا، شعبًا ودولةً وأصدقاء، أن نُدركَه، هو أنَّ التراث لا يتضمن فقط الأشياءَ الماديةَ المنتشرةَ على امتداد الأرض اللبنانية، والناطقةَ بألسنة العصور المتعاقبة التي عبرت على هذا الأديم وتركت فوقه بصماتِها. إنه أيضًا وأولًا، التراثُ غير المادي المتكونُ من اللغة والعادات والتقاليد والفنون الشعبية، ومن القيم الأخلاقية والاجتماعية التي تميّز الهوية المشرقية بشكل عام واللبنانيةَ بشكلٍ خاص. هذه أيضًا جديرةٌ بالحماية لئلا تتشوَّهَ نفسيَّةُ الأمّةِ وتضيعَ ملامحُ انتماء أبنائها إلى أرضِهم، فتضيعَ الأرضُ كلُّها حينذاك.
يدفعني إلى هذا الكلام، ما تفشّى في الآونة الأخيرة عندنا في لبنان، من مشاريععَ مشبوهةٍ على صعدٍ شتى، منها رسميٌّ ومنها إعلامي، تنادي بما يخرج عن طبائع تراثنا الأخلاقي الذي هو، كما أسلفتُ، عمادُ هُويَّتِنا ومركزُ الجاذبية في وعيِنا الاجتماعي. ففي الوقت الذي تدعو هيئاتٌ ومنظماتٌ أمميةٌ ثقافية إلى الحفاظِ على الموروث الحضاري للشعوب، ومنه على سبيل المثال لا الحصر، اللغاتُ القديمة التي لم تعد مستعملةً إلاّ على ألسنة قلّة قليلة من الناس، كالآرامية وسواها؛ نرى من ناحيةٍ أخرى سعيًا إلى تنميط البشرية كلِّها على نسقٍ أخلاقيٍّ واحد، بدعوةِ المجتمعات إلى التخلّي عن مفاهيمها الإيمانية والمناقبية في سبيل الترويج لأنواعٍ جديدة من المفاهيم المشوَّشة، تحت ستار الحريّة وحقوق الإنسان. فكيف تستقيم الدعوةُ إلى حماية الخصوصيات الثقافية للشعوب وهدمُ أخلاقياتِها في آنٍ معًا؟؟؟ ولكن ليطمئنَّ الجميع أنَّ تراثنا الحيَّ بوجهيه الماديِّ وغيرِ المادي، لن ينال منه سوءٌ ولا مؤامرةٌ ولا محاولةُ تخريب أو إفساد، والدولة التي تقف الآن عاجزةً عن تأمين الاعتمادات اللازمة لحماية المواقع الأثرية والأبنية التراثية بسبب الأزمة الاقتصادية التي نعبر فيها، هي في الوقت نفسه متحفزةٌ شعبيًّا ورسميًّا على حماية عناصر تراثنا غير المادي تجاه أي اعتداء قد يتعرضُ له، مهما كان شكله ومصدره.”
وتابع المرتضى :”أما العنوان الثالث الذي يستوقفني في هذه المناسبة، فهو الزمان. نحن الآن على مشارف العام 2024 الذي ستكون فيه طرابلس عاصمةً للثقافة العربية. موسمٌ ستزدهي فيه مراكز المدينةِ الثقافيةُ وشوارعُها وآثارُها وحوانيتُها وبحرُها وقلعتُها ومعرَضُها وشاطئُها، باحتفالياتٍ متنوعة تشمل الفنون كلَّها والحِرَفَ والصناعات وأصنافَ التجارة والسياحة، لكي تعود “أم الفقير” أمًّا للوطن أجمع، بل للعروبة السمحةِ التي ستأتي ثقافتُها إلى ههنا سعيًا على الأقلام والريشات والوتار، لترى كيف تستحق طرابلس أن تكون سيدة الحياة. وأزف إليكم بالمناسبة أنني وقّعت صبيحة هذا اليوم القرار المتعلّق بتشكيل الهيئات التي ستتولّى إقامة فعاليات هذا المهرجان المعرفي المتميّز، ولسوف أدعو المختصين في العاجل العاجل إلى اجتماعات متتالية لتهبَّ نسائمُ الثقافة العربية من ههنا مضمّخةً بأريج الليمون الطرابلسي.
وبالإنتقال الى وضعنا العام في لبنان كما قال وزير الثقافة شدد على اهمية تلبية دعوة الرئيس نبه بري للحوار التي وصفها بالحكيمة والصادقة :” أيّها الأحبّة، لقد وجّه دولة الرئيس نبيه برّي دعوةً جديةً وحكيمةً وصادقةً للحوار، فلماذا يصرُّ البعض على عدم التجاوب معها وهي التي أتت غير مشروطة بل مقترنةً بعهدٍ مفاده تتويج ايامها السبعة إمّا باتفاقٍ أو بذهابٍ الى جلسات انتخاب مفتوحة دون تعطيلٍ للنصاب؟؟؟
متسائلاً :” كيف لعاقل أو وطني أن لا يسارع الى تلقّف هذه الدعوة التي فتحت كوّة نورٍ في جدار أزمة الاستحقاق الرئاسي المسدود؟؟؟ وأخشى ما أخشاه أيّها الأحبّة أن نكون أمام فرصةٍ أخيرة… ولهذا يجب على البعض العدول عن المماحكات والنكايات والشعبوية، والركون الى تحكيم العقل والحسّ الوطني السليم وتقديم المصلحة العامّة، ومن ثّمَ الاستفادة من هذه الفرصة عساها تفضي الى انتخاب رئيس كمقدمةٍ لبدء محاولات اجتراح حلولٍ جذرية لأزماتنا الأخرى فنجنّب بذلك لبنان واللبنانيين الإنزلاق الى ما لا تحمد عقباه.”
وختم وزير الثقافة :” الشكر لبلدية طرابلس وللهيئات المانحة، وأملنا أن يبقى هذا الصرحُ على قدر الإسم الذي يحمله ومنارةً نردِّدُ فيه قول الأخطل الصغير:
فدَتِ المنائرُ كلُّهنَّ منارةً هي في فمِ الدُّنيا هُدًى وتبسُّم
ما جئتَها إلا هداكَ معلِّمٌ فوق المنابرِ، أو شجاكَ متيَّمُ
رحم الله شهيد الوحدة الوطنية وعيش المعيّة دولة الرئيس رشيد كرامي وأبقى ذكره مؤبّداً في المكان والزمان والقلب والوجدان، عشتم عاشت طرابلس وعاش لبنان.
وكان حضر الى الوزير المرتضى، النائبان
الدكتور حيدر ناصر وجميل عبود،
المحامي عادل الحلو ممثلا النائب فيصل كرامي، محمد كمال زيادة ممثلا النائب اشرف ريفي، رئيس بلدية طرابلس المهندس احمد قمرالدين، رئيسة قسم التعاون في ذ في لبنان ورئيسة فريق الاقتصاد والاتفاق والتنمية المحلية السيدة اليسيا سكوارسيلا، مديرة برنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية في لبنان السيدة تانيا كريستيانسن، المهندسة ديما حمصي عن اتحاد بلديات الفيحاء، رئيس اللجنة الوطنية للاونيسكو المحامي شوقي ساسين، ممثلة الجمهورية اللبنانية في المجلس التنفيذي للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوة (الالسكو) الدكتورة بشرى بغدادي عدرة، والمهندس سعيد الحلاب وحشد من الشخصيات والمهتمين.