أفكار وآراء

استقبال وفد اسرائيلي في السعودية ؟!!:انحراف تاريخي خارج المسار الايجابي للتحولات

*كتب علي يوسف

يشكل استقبال السعودية لوفد اسرائيلي انحرافا كبيرا عن المسار الذي سلكته بتموضعها شرقا وصولا الى الاتفاق الصيني السعودي الايراني ودخول مجموعة البريكس ..

قد لا يدرك الامير محمد بن سلمان الآن ما اقترف لأنه يعتقد، على ما اعتقد ،ان حماية نظامه ما تزال ترتبط بالمحور الغربي بالقيادة الاميركية وان كان في صورة غير مباشرة ..
ولأن شجاعته في التوجه شرقا تطورت عبر استجابات لحاجات فرضت نفسها عليه ولم تكن انطلاقا من رؤيا استراتيجية مبرمجة وواضحة ..
ولا اقول طبعا انه كان على الامير بن سلمان ان يتخذ من التموضع في اتجاه الشرق ذخيرة لاعلان العداء للغرب الا ان هذا التموضع ومن دون نظرة استراتيجية تحدد مسارات امنه القومي قد تتحول الى مخاطرة اكبر من تلك التي كان يرغب بمعالجتها لجهة اعادة التوازن بين امن بلده الاقتصادي وامن نظامه السياسي…
كان يجب ان يدرك بن سلمان انه لا مجال لاستمرار التذاكي عند الاستحقاقات الكبرى وكان عليه ان يدرك ان سياسة توزيع الأرجل تصبح اخطر حين يضع نفسه في محور معروف التوجهات الاستراتيجية والصراعات التي ستنتجها هذه التوجهات والاستحقاقات التي ستفرضها ثم يحاول وفي ظل هذه الوضعية ان يعزز ادوارا له ترتبط بالمشاريع المناهضة لتموضعه كالدخول في شراكة مع الاميركي لمعالجة الازمة السودانية التي هي في الاساس اختراع وتنفيذ اميركي ولاهداف اميركية تتناقض مع توجهات تموضعه …اضافة الى تغطية الانحرافات الخطيرة الخليجية نحو التطبيع مع العدو الاسرائيلي وصولا الى تقديم خطوة “نوايا حسنة ” عبر استقبال وفد اسرائيلي كمحاولة تذاكي للتخفيف من الضغوط الاميركية التي تمارس عليه للدخول في التطبيع و في محاولة لاشتراط تنازل اسرائيلي في اتجاه المبادرة العربية -السعودية يكون مبررا له للسير في التطبيع وبحيث يمكنه التهرب من هذه الخطوة كونه يعلم ان الاسرائيلي لن يقدم اي تنازل في اتجاه القبول بالمبادرة لانها تتضمن دولة فلسطينية لا يقبل بها الاسرائيلي مطلقا حتى ولو كانت دولة شكلية في حجم سلطة ادارية …

لا يمكن اللعب دائما على حافة الهاوية خصوصا لمن لم يتعود هذا اللعب و لا يملك خبراته لان بلده ونظامه ارتبطا منذ ناريخ طويل بتبعية للغرب انطلاقا من واقع معروف …

وكان يمكن للمملكة السعودية لو امتلكت رؤيا استراتيجية ان تكون محور الامن القومي للمنطقة بما تملك من امكانات وبعد تراجع الدور المصري منذ عهد الرئيس الاسبق حسني مبارك وبعد تراجع دور الجبهة الشرقية بقطبيها الاساسيين العراق وسوريا نتيجة الغزو الاميركي للمنطقة ..
وهي بدل ان تفعل ذلك انخرطت وبقوة في الغزو الاميركي واهدافه البعيدة كل البعد عن مصالحها وعن مصلحة الامن القومي العربي والاقليمي .. بل وزادت في تورطها عبر حربها العبثية على اليمن و عبر الدخول في تعزيز الصراع المذهبي وتنطحها لتكون رأس حربة في المشروع الاميركي لمحاربة ايران والقضاء على اي قوة تهدد وجود الكيان الصهيوني وتفتيت المنطقة وادخالها في صراعاث متعددة لتأمين الحماية للكيان الاسرائيلي لأطول فترة تاريخية ممكنة وان كان بالامكان الى الابد …كون هذا الكيان يمثل رأس الحربة في الدفاع عن المصالح الغربية عبر دور الشرطي الذي كان بدأ يتهاوى وكانت الغزوة الاميركية محاولة لاستعادته وتأمين استمراره …
وفقدان الرؤيا الاستراتيجية للامن القومي ادى بفعل الغزو الاميركي الى تراجع الدور السعودي العربي لمصلحة الدور القطري الشريك و أعطى للسعودية دور المواجهة الاقليمية مع ايران فتم ادخالها في حرب اليمن تحت نفس العنوان الاقليمي عينه لاستنزافها وانهيار قدراتها كجزء من مشروع تحجيم جميع الامكانات العربية وتحجيم اي دور مستقبلي في المواجهة مع الكيان الصهيوني …

ولعل التطورات التي اخرجت النفط العربي من كونه حاجة اقتصادية مباشرة للولايات المتحدة وتحول السيطرة عليه الى اداة لاستعماله للضغط على الدول المنافسة كالصين والهند خصوصا وبالتالي وقوع السعودية تحت وطأة انعدام التوازن بين امنها الاقتصادي المتجه شرقا وبين امن نظامها تحت المظلة الاميركية هو الذي سمح بقراءة جديدة للتموضع السعودي وللتدحرج التدريجي نحو الشرق وصولا الى الدخول في مجموعة البريكس ….
الا ان الاشارات التي قدمتها السعودية مؤخرا ان بعدم وقف العدوان على اليمن نهائيا وان بموضوعي السودان واستقبال وفد اسرائيلي تشير كلها الى ان السعودية ما تزال تفتقر الى رؤيا واضحة للأمن القومي ولدورها الفعلي في ذلك …
لا تزال السعودية تفتقد الى القناعة بأن الحماية الفعلية والاستراتيجية للاقتصاد وللامن يُؤمنها الدور القيادي في مشروع أمن قومي عربي واقليمي بات في متناول اليد بعد الاتفاق الذي تم مع ايران وبعد المصالحة مع تركيا وبعد عودة سوريا الى الجامعة العربية وبعد توافر علاقات مميزة مع العراق وبعد دخول مجموعة البريكس … وان كان تنفيذه لا يفترض مواجهة مباشرة مع الجانب الغربي الاميركي وانما يتطلب مواجهة مدروسة متدرجة تعيق التدخلات الاميركية وتحد من نتائجها عبر تقوية وتصليب العلاقات البينية وتأمين الحمايات الاقتصادية والامنية لتعزيز جبهة المواجهة …

ولا بد من القول بكل وضوح وانطلاقا من التجارب بأن التاريخ لا يسامح مُضيّعي الفرص وان الخطوات المترددة هنا تفقد الثقة مع الحليف ولا تعيد الثقة مع الحليف السابق الذي تدحرجت نحو الخروج من حلفه … وعند هذا الوضع فالغرق لا يحتمل منقذ …
والامن القومي العربي والاقليمي بوابته فلسطين ليس ككيان وانما من باب ان الكيان الصهيوني هو الخرق الاساسي للامن القومي العربي والاقليمي وهو القاعدة المتقدمة للغرب في المنطقة لمواجهة اي مشروع تموضع نحو قطب اقليمي متوازن على الاقل بشروطه واستقلاله واستقلال مشاريه التنموية فكيف اذا كانت مصالحه تتحقق في الاتجاه شرقا؟.. ولو بعدم عداوة مع الغرب …!
ولا بد من التأكيد ان الانكفاء السعودي عن هذا الدور وعن دور مساعدة دول المنطقة على تجاوز ازماتها انطلاقا من هذا التصور وبعيدا عن سياسات الولاءات .. سيكون له اثر تاريخي سلبي على كل دول المنطقة وخصوصا على السعودية نفسها وعينها …..

*عضو في المجلس التنفيذي للاتحاد الدولي للصحافيين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *