أفكار وآراء

حيان سليم حيدر ” نداء ” إنما الأمم الأخلاق … وقد ذهبت !

” الفساد في اللغة والإصطلاح يُعرف على أنّه الخروج عن منهج وشرعة الخير والحقّ والإنصاف
وعدم التعدّي على الحقوق والقيم التي تعارف عليها الناس، وكرّستها العقود الإجتماعية والدساتير والقوانين
والنظم.”(*)
والأخلاق ثقافة فسلوك طبيعي عادي. هذا في المبدأ.
على ضوء تفاقم الأحداث في فلسطين، قلب الأمة الإنسانية وقضيّتها، ومعها في لبنان وفي منطقة مهد
الحضارات ومنبع الديانات السماوية، وبشكل عام في العالم، وبالنظر إلى ما ̒ نشهده يوميا من فظائع جرائم
حربية إبادية، عنصرية، عرقية، ضدّ الإنسانية، تمارس على الإنسان معها التعبير الفاجر عن نوايا شرّيرة ،
وبعد تسجيل أقذع عبارات الإدانة للعدوان الصهيوني الوحشي المتمادي الجاري على فلسطين منذ قرن،
ومعه إستنكار السكوت عنه،
وبعد التعبير عن كبير الأسف عمّا يسجّله تاريخ البشرية من ظلامة وظلم،
والقوانين التي كانت تشير إلى الإنسان وإلى الإنسانية وتلمّح إلى المُثُل والقِيَم الإنسانية السامية ومنها الحقّ وبعد أن سقطت، فجأة، وبحكم فضاحتها، كلّ العبارات والأفاهيم والقواعد والأسس والنظم والدساتير
والعدالة والعدل وتذكّر بحقوق الإنسان عامة، وبحقوق الأم والطفل خاصة، وإلى الحقّفي العيش الكريم
والآمن،
وعلى وقع التكذيب اليومي للأسس التي بُنِيت عليها “مُسلّمات” من نوع: الديمقراطية، المجتمع الدولي،
حقوق الإنسان، حكم القانون، الحوكمة، الحكم الرشيد، النزاهة، الشفافية، مكافحة الفساد، حرية التعبير
والمعتقد والتجمّع والقرار والتصرّف،
وأمام أهوال المجازر والجرائم ضدّ الإنسانية والقصف العشوائي للآمنين والإبادة الجماعية للمدنيين،
والتي لم يشهد العالم مثيلاً لها على مدى وجود البشرية، هذا بالإضافة إلى إستمرار تبرير كلّ ما سبق تحت
مسمّيات مختلَقة مختلِفة لا تبرّر أيّ من هذه الجرائم المُشاهَدة والمَشْهودة والموثّقة والمستمرّة تحت الأنظار،
وفي ضوء ما يصاحب الجرائم الجارية من غياب تام للضمير الإنساني ومعه الأنظمة على تجاذباتها
أللانهاية لها ومعها غالبية الشعوب، غيابها المتعمّد عن النظر فيها أو محاولة بذل الجهود لمعالجتها،
ولما كانت الأنظمة الإستعمارية الإستبدادية تتمادى في تغطية هذا الإجرام مستندة إلى السكوت العربي
الرسمي أساسًا والعالمي، لا بل تدعمه بالمال والسلاح والعتاد والعديد والإعلام والمواقف والحماية السياسية
والقضائية والإجرائية مجلّلة بثقافة إجرامية وغير ذلك من تزكية فاجرة لا حدود لها،
وبالإشارة، من ناحية ثانية، إلى الخلفية التي تأسّست عليها المبادئ العامة لمكافحة الفساد،

لهذا كلّه ولغير ذلك من أسباب رأيت من الواجب الإنساني المبادرة للدعوة إلى إصدار نداء إنسانيّ
لإعادة رسم الأسس التي من شأنها إعادة الإعتبار للحقّ والصحّوالسَوي.
ولأنّكلّما حصل ليس قدرًا ولم يكن ليحصل لولا تفشّي الفساد، بمفهومه العريض، في جميع مناحي
الحياة، السياسية أولاً والإجتماعية والإقتصادية، وفي الأساس الأخلاقية، نعم الأخلاقية، ومنها تتفرّع سائر
الأمور.
كان لا بدّ من هذه المقدمة لإقتراح ما يأتي:
أولاً: إصدار موقف، نداء، إنساني وجداني سياسي عالمي إزاء ما جرى ويجري، يسمّي الأشياء بأسمائها،
ويعبّر دقيق التعبير عمّا تتطلّع إليه إنتظارات الشباب المعني المتابع والتوّاق للتحرّر ومجرّد العيش بكرامة
في هذا العالم.
ثانيًا: دعوة شعوب العالم كافة إلى مؤتمر إعادة تأسيس، ومعهم وخاصة حكامهم ̒ “المنتخبين ديمقراطيا”
الذين فشلوا في إدارة شؤون الناس والسبب الأساس برأينا يبقى فساد الفكر ومعه النظم التي لم يتمّ إعتمادها
أو تطبيقها وغياب، لا بل تغييب، المحاسبة كمفهوم ووسيلة وأداة والأهم كواجب لتصحيح الأمور، على أن
تنشر مع هذه الدعوة الدراسات والتقارير والمؤشرات العالمية وما إليها من معلومات مستندة إلى وسائل
التعريف والتقييم الصادرة عن المنظمات والمؤسّسات والمراكز العالمية والدولية، الرسمية منها والأهلية.
وفي هذا الصدد، أقترح الدعوة إلى عقد مؤتمر عالمي مركزي تتفرّع عنه لاحقًا مؤتمرات متابعة
متخصّصة تعالج كلّ من المبادىء المفقودة المذكورة.
لذلك، أقترح أن يتم تكليف باحثين وسياسيين وناشطين، من مختلف دول ومراكز العالم وإتجاهاته،
بإعداد دراسات تناقش أوراقًا توثّق لإخفاقات العالم في المجالات الإنسانية الأساسية وتهدف إلى معالجة
فساد الأنظمة في مجالاتها الرئيسية التي أوصلت حال اللامبالاة أو العجز الإنسانية إلى ما نحن فيه، على أن
يدعى إلى مؤتمر عالمي، ممثلو مختلف المنظات الدولية والعالمية التي عنوانها مكافحة الفساد والنزاهة
أوقات الحاجة إليها، عن ساحة الإهتمام والعمل والتعبير وخاصة التأثير في هذه الظروف ممّا يطرح سؤالاًوالشفافية وحقوق الإنسان وما إليها من شعارات من نوع “الدولية” أو “بلا حدود” وهي غائبة، في أحلك
حول وظيفتها الأساسية وجدوى وجودها وخلفيات نشاطاتها الحاضرة التمويل، والأهم، الأهداف التي حققتها
والتي من أجلها أنشئت.
وأقترح أن تُدْعى إلى هكذا تحرّك أبرز المنظمات والمؤسّسات، الرسمية منها والأهلية، التي تدّعي، في
بيانات مهماتها، العمل على تحقيق هذه الأهداف. ولتحقيق ما سبق أقترح إعتماد وسيلة “جمهرة التمويل”
المعروفة بمُسَمّى Crowd-Funding لتمويل هذا النشاط المتجدِّد، علمًا أنّ الوسيلة هذه من شأنها تأمين
هدفين معًا: الأول التمويل، والثاني إشراك الجميع، شيبًا وشبابًا، في هذه الحملة الأممية مع إستهداف خاص
لمختلف الجامعات والمعاهد في العالم، أساتذةً وطلاّبًا ومعها كبريات الشركات العملاقة التي تغرف من
معين أكفأ خرّيجي هذه الجامعات.
كما وأقترح أيضًا أن تكون مدينة دُرْبان Durban في أفريقيا الجنوبية، من بين مدن العالم المَنْسي،
مكانًا لإطلاق المؤتمر التأسيسي لهذه الحركة لِما رَمَزَت وباتت ترمز إليه هذه المدينة من مركز عالمي

لمناهضة الرأسمالية الليبيرالية المتفلّتة، فيبقى الحراك مفتوحًا ودائم الفعاليات. وربّما أمكن إطلاق الإعلان
الآتي من هناك أنّ:
“كلّ يوم هو يوم عالمي للأخلاق”.

يا أحرار العالم،
أعلم أنّ ما سبق من إقتراحات وتطلعات ينطوي على كمّ كبير من التخطيط والعمل والتنسيق وهو
يتضمّن إتصالات ونشاطات متعدّدة الطبيعة في كلّ الإتّجاهات والميادين، ومن تحرّك مستمر ومتابعة دؤوبة
وتجييش الهمم، لكن لا يمكن مواجهة عالم بات مجبولاً بالفساد بالإستكانة فما بالكم بالسكوت والسكون
وحتى بالدعم والتبرير من قبل “نخبة” الفاسدين في العالم.
إنّي أعلم أنّ ما أقترحه ̒ هو طموح، بل طموح جدا، ولكن طموحة أيضًا هي إنتظارات الأجيال المتعاقبة
في بشرية تقف على مشارف خطر أخلاقي وجودي.
عسى أن تكون هذه الأفكار محرّكًا في سبيل تحقيق الأهداف المنشودة.

بيروت، في 20 آذار 2025م. حيّان سليم حيدر
في اليوم العالمي للطفل عضو مجلس أمناء ومجلس إدارة وأمين سرّ
المنظمة العربية لمكافحة الفساد