سونيا بيروتي أيقونة الإعلام في ذمة الله
غيّب الموت مساء اليوم الإعلامية الكبيرة والكاتبة الصحافية الزميلة سونيا بيروتي بعد مسيرة إعلامية وتلفزيونية وصحافية طويلة ،وكانت واحدة من أيقونات التلفزيون والإعلام اللبناني والعربي.
صوت مميز، نهج خاص وجرأة غير معهودة. إمرأة خرقت التقاليد، ومدت الجسور بين الشرق والغرب.
تلك بعض من ملامح صونيا بيروتي احدى الاعلاميات الرائدات في لبنان، الاعلاميات اللواتي شققن الطريق بجرأة وتحدٍ تتوجهما الموهبة المعززة بالجهد والاخلاص.
اعلامية رائدة بحق، صونيا بيروتي، من منا لا يذكر «فنجان قهوتها» على أثير اذاعة لبنان، وهل تغيب صورتها من أذهان ملايين المشاهدين المسحورين باطلالتها الفريدة وذكائها اللامع؟
صاحبة قلم جريء، حر، لاذع، عميق ومجتهد، أضاءت على قضايا المرأة خصوصاً والمجتمع عموماً، حررت المقالات والتحقيقات في الصحف والمجلات على امتداد عقود تبوأت خلالها العديد من مراكز المسؤولية الاعلامية، وجسدت نضوج تجربتها واختمارها في ثلاثة كتب.
صونيا بيروتي المرأة التي خاضت سباقاً مع عصرها، ربحت رهانها اعلامية فذة وامرأة مناضلة لا تهدأ ولا تستكين.
سونيا عون بيروتي عملت في عددٍ من الصحف والجرائد المحليّة في لبنان ، كما أصدرت عددا من الكتب والروايات لعلَّ أبرزها «مطاحن الطائفيّة» الذي تحدثت فيهِ عن الطائفية في لبنان ،وكيف كانت سببا مباشرا في الحرب الأهليّة ، فضلا عن رواية «حبال الهوا» التي تطرقت فيها لوضع النساء عامّة والنساء اللبنانيات خاصّة من خلال قصّة 24 سيّدة، وكيف عشن حياتهنّ بين سعادة وحزن وألم وفراق وتشتت.
وُلدت سونيا في منطقة الأشرفية وهناك عاشت السنوات الأولى من حياتها وطفولتها. تزوجت مرتين: المرة الأولى حين كانت طالبة جامعيّة فتزوّجت من بشارة بيروتي الذي سافر بعد فترة قصيرة إلى ألمانيا لمتابعة تحصيله العلمي، ثمّ انفصل الاثنان بعد خمس سنوات بسبب هذا البُعد. وتزوَّجت سونيا لاحقًا إحسان شاتيلا.
تنتمي سونيا بيروتي لعائلة مثقفة ، ومنهم اكتسبت حبّ قراءة الكتب والصحف والمجلات، وهو ما ساعدها كثيرا في الكتابة فبدأت من الشعر ثمّ جرَّبت في وقتٍ ما القصص.
المسيرة المهنيّة
بدأت سونيا بيروتي مسارها المهنيّ في مجال الصحافة وتحديدًا في صحيفة «دار الصياد» التي كتبت فيها عشرات المقالات والتحليلات والمتابعات الإخباريّة. انتقلت في فترة الستينات للعمل في تلفزيون لبنان حيث بدأت في إجراء أحاديث ثقافية واجتماعية ،كما قدَّمت مجلة تلفزيونية تدورُ حول المعارض والأمسيات الشعرية وصولًا إلى مشكلات انقطاع المياه والمدارس.
تركت سونيا في وقتٍ ما «دار الصياد»، لكنها عادت إليها أكثر من ثلاث مرات لاحقًا، وحين صدرت مجلة «الحسناء» كُلّفت سونيا بإدارة تحريرها، وهو ما فعلت بفضلِ الأفكار الكثيرة التي كانت تملكها عن تحرر المرأة مثل سيمون دو بوفوار وغيرها.
بدأت سونيا في أول الثمانينات الكتابة في مجلة «فيروز» التي كانت مجلّة رائدة في التحرير والطباعة في العالم العربي. صدر لسونيا بيروتي عددٌ من الكتب لعلَّ أبرزها كتاب «مطاحن الطائفيّة» وهو بمثابة شهادة جمعت فيه الكاتبة اللبنانيّة تجاربها الحياتية خلال الحرب الأهلية اللبنانيّة حيث الطائفية هي سبب كل علة، وهي التي تُهدد بحروب آتية كما روت في كتابها.
صدر للصحفيّة اللبنانيّة كتابٌ آخرٌ بعنوان «حبال الهوا» عن مؤسسة بحسون للنشر والتوزيع في 248 صفحة. ضمَّ الكتاب قصص أربع وعشرين سيّدة كأنها قصة واحدة لامرأة واحدة هي كل النساء. يحكي الكتاب عن نساء يهربن إلى الجمال إلى الصبا إلى الحلم إلى الضعف إلى الأمومة، إلى العلم، إلى العمل، إلى الحب، ويكتشفن في لحظة من عمرهنّ أنهن يهربن إلى وهم. بعضهن تسلّح بقوة الإرادة بالمركز الاجتماعي بالعلم بالمال بالمهنة. وتصوّرن أنهن ينسجن خيوط قدر جديد ويخترقن أسوار أوضاعهن النسائية. ويكتشفن في لحظة ما من عمرهن أنهن يغزلن، حبال الهواء.
لم تتعمّد سونيا إظهار الوضع النسائي على أنه مأساة ولا تُبالغ في حبك الحدث الدرامي، كما رأى بعض النقاد، بل هي تفتحُ في حياة المرأة أبواباً مغلقة على أجواء حميمة، بلمسات هادئة تكشف بعض الستائر عن بعض الواقع النسائي.
ترى سونيا بيروتي أنَّ على الصحافي أن يقرأ كل شيء، ويستعلم عن كل شيء ولا يشعر بالتعب أبدًا، بل أن يتميَّز بالفضول والقدرة على التعلم والتجدد وأن يترقى بالأفكار الطليعية حتى ينجح. ترى سونيا أنَّ أهمَّ شيءٍ في الصحافة المكتوبة هو أن يُصبح الكاتب مألوفًا لدى القارئ وأن يلتقيه في كل عدد، أي أن يكون هناك رابط فكري بين الكاتب والقارئ.
قائمة أعمالها
صدر للراحلة الأعمال الآتية:
مطاحن الطائفيّة،
حبال الهوا،
مواعيد مع البارحة،
مدار اللحظة،
مؤسسة حسن صعب للدراسات والابحاث تتقدم من عائلتها ومن الأسرة الإعلامية بخالص العزاء.
محمد ع.درويش