“الساحر” و”اللغز” و”الغرابة”.. حقائق “الجلسة 12”
كتب محمد حمية
على وقع تلاوة المادة 49 من الدستور وهمسات النواب، طرق رئيس مجلس النواب نبيه بري بمطرقته إيذاناً بانطلاق “الماراتون” الـ 12 لانتخاب رئيس للجمهورية.
حضور النواب الـ128 الذين ملأوا نواحي ساحة “القتال” في الميمنة والميسرة وبالوسط، وكذلك التواجد المُكثّف للصحافيين ووسائل الإعلام، أعطى إشارة واضحة على انطلاق معركة شرسة ستدور رحاها بين جدران المجلس المغلقة وبجولة واحدة وتوقيت محدد مسبقاً، لعلم الفريق الداعم للوزير السابق سليمان فرنجية بأن الدورة الثانية لن تُعقد وفق الخطة المرسومة بدقة بين ثنائي “عين التينة” و”حارة حريك”.
معركة “ساحة النجمة” التي غصّت بأفواج الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي لحماية محيط البرلمان، سبقتها استعدادات مكثفة من كِلا الفريقين من وضع الخطط والخطط البديلة، كما استخدمت مختلف أنواع الأسلحة السياسية والإعلامية والمالية، ووفق المعلومات فقد تعرض نواب “رماديون” و”تغييريون” و”مستقلون” يُقال إنهم “ودائع” في كتل سياسية لشتى أنواع الضغوط ترتبط بالمصالح السياسية والمالية والتجارية والمناطقية.
قبل انطلاق “صافرة” النزال، كانت الضغوط تبلغ ذروتها قبيل انطلاق الجلسة، في محاولة أخيرة لإقناع بعض النواب بالتصويت للوزير السابق جهاد أزعور، إذ سجلت عدسات الكاميرات استنفار النائب وضاح الصادق الذي جال على بعض النواب لاستمالتهم إلى جبهة أزعور، فأجرى نقاشاً مستفيضاً مع النائب الياس جرادي، وكلام بين النائبين ميشال الضاهر وجميل السيد، وظهر النائب ميشال المر مستنفراً متأهباً لمغادرة الجلسة في الوقت المحدد.. فيما ملأ النائب جورج عدوان الوقت الضائع بتبادل الحديث مع زميله جورج عقيص.
أما رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، فجلس بجانب النائبين إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا، لكنه لم يستطع “ضبط” نائب رئيس مجلس النواب الياس بوصعب الذي جلس طوال الوقت بجانب رئيس المجلس نبيه بري وأدلى بصوته من على مقعده.
النائب نعمت أفرام رفع راية السلام وتنقل بين المقاعد بثيابه الأنيقة وانشغل بمصافحة جمع من النواب كأنه المرشح المقبل للرئاسة.
تحمّلّق النواب ميشال معوض ووضاح الصادق وآخرون حول النائب محمد رعد، كانت لقطة شديدة الغرابة، فيما النائب حسين الحاج حسن يسرق زميله جرادي من “أنياب” الصادق وينفرد به جانباً وكأنهما يتبادلان الأدوار، محاولاً إقناع جرادي بالتصويت لفرنجية أو بالحد الأدنى الإطمئنان إلى أنه لن يمنح صوته لأزعور. فيما نقاش آخر كان يدور بين النائب رائد برو والصادق، وفي جانب أخر من القاعة، يقطع محمد رعد من جانب باسيل من دون السلام والكلام وكأن حلفاء الأمس باتوا أخصام اليوم. لكن العدسة سلطت الضوء على لقاءٍ حميم “عالواقف” يجمع نجل سليمان فرنجية، النائب طوني فرنجية مع باسيل وسيزار أبي خليل وهم يتبادلون المجاملات والمزاح والضحك.
فيما انكب النائب رازي الحاج على احتساب الأصوات مُحاطاً بفرقة “الصقور” “القواتيين”، شوهِد النائب الشاب أديب عبد المسيح يتنقل بين “الثغور” لرصد وعد النواب الذين يخرجون من الجلسة لثنيهم عن ذلك ويتحقق من نصاب الجلسة المتبقي بعد الإنسحاب التكتيكي لـ”جيش الثنائي” من الجبهة، ما يعكس جواً لدى المعارضة باحتمالية عجز “الثنائي” عن تطيير النصاب، فيكمل فريق أزعور الجولة ويربح المعركة في الدورة الثانية.
وحده “الاستاذ” و”ساحر” الجلسة يتمركز على ناصية “الرئاسة” ويراقب المشهد برمته من “التل” ويتحقق من سير المعركة وفق “الخريطة الهندسية” المرسومة ويومئ بنظراته وإشاراته للنواب عند الضرورة لتصويب بعض الأمور، لكن علامات الإرتياح كانت تملأ وجهه، أما عيناه الثاقبة فتحتسب الأصوات قبل عدها، لكنه في قراره نفسه يهمس ويتمتم: “حساباتي لن تخيب وفرنجية فوق الخمسين وأزعور تحت الستين، فأنتم تلعبون مع نبيه بري”، ويستحضر في مخيلته مقولة السيد المسيح: «يا أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”.
أما الصوت الـ 128 فتحول إلى لغزٍ لا يفك رموزه إلا الله و”الراسخون في العلم” والعالمون في بواطن “صندوقة” الاقتراع. فهل هو من قبيل الخطأ أم قنبلة معدة للإنفجار إذا استدعت ضرورات المعركة!. لكن رواية لم يتحقق من صحته، هي أن أحد النواب الذين تعرضوا للضغط لانتخاب أزعور كتب إسم الأخير على الورقة لكنها عاد وأخفاها ووضع المغلف فارغاً في “الصندوقة”.
من انتصر في المعركة؟ وهل يتجه المتحاربون الى الحوار والمفاوضات بعدما تيقنوا من حقيقة توازن القوى السلبي وعجز أي طرف على هزيمة الآخر، أم إلى جولة قتال جديدة؟.
بعدما انجلى غبار المعركة يمكن اختصار الخلاصات السياسية للجلسة بالتالي:
*تثبيت توازن القوى بين الطرفين، إذ لم يستطع أي طرف تأمين أكثرية الـ 56 صوتاً لمرشحه فكيف بنصاب الثلين؟
*فشل “فريق التقاطع” بتعديل موازين القوى في أرض المعركة وإخراج فرنجية من المعادلة ودفع الثنائي للتفاوض على خيار المرشح الثالث.
*ثبّت “الثنائي” مرشحه الذي أشرت الأرقام امتلاكه كتلة صلبة وثابتة غير قابلة للاختراق، وقابلة للارتفاع بجذب نواب مستقلون أو كتل كبرى كاللقاء الديموقراطي والاعتدال أو نواب من التيار الوطني الحر، فيما كتلة أزعور “متقاطعة” ظرفياً ستتفرق بعدما “ينفخت الدف”.
*ثبت “الثنائي” امتلاكه لثلث المجلس النيابي كسلاح لتطيير النصاب وعرقلة وصول أي رئيس الى بعبدا لا يرضى به.
*الأهم أن كتلاً وافقت على الإصطفاف ضد فرنجية على مضض سياسي لإبراء “الذمة السياسية المسيحية” كحال كتلة جنبلاط الذي سيقول للمتقاطعين: “مشيت معكم لكن إلى أين؟”.
*إذا كانت “الخيارات الجنبلاطية” عرضة للتعديل، فإن باسيل الذي غرد خارج سرب “الحزب” وخلط الخنادق وقلب “البارودة السياسية”، فأولى العبر الذي سيستخلصها هي أن “الحلف المسيحي” لا يمكن لوحده أن ينتج رئيساً بلا المكون الشيعي والسني، وإن ثبتت الجلسة بأن لا يمكن تجاهل الدور المسيحي في انتخابات الرئاسة الأولى.
معركة الرئاسة ستشهد جولات قتال عدة ومفاوضات شاقة قبل أن تتحرك جحافل الديبلوماسية الفرنسية لفرض الحل “عالبارد” قبل أن يأتي بالنار والانفجار.
المصدر: belwasat