تكنولوجيا واقتصاد

10 سنوات على “الحزام والطريق”… أين لبنان؟

وارف قميحة
رئيس جمعية طريق الحوار اللبناني الصيني  (طريق الحرير)


في خريف 2013 اقترح الرئيس الصّينيّ شي جين بينغ في كازاخستان وإندونيسيا على التوالي بناء الحزام الاقتصاديّ لطريق الحرير وطريق الحرير البحريّ للقرن الـواحد والعشرين. في خلال عشر سنوات فقط، تحوّلت مبادرة الحزام والطّريق من مفهومٍ إلى منصّة رئيسيّة لبناء مجتمع مصير مشترك للبشريّة، ومنفعة عامّة على المستوى الدّوليّ، لاقت ترحيباً كبيراً، وتحوّلت من مبادرة إلى إجماع عالميّ، حيث احتوّت قرارات مهمّة، صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومجلس الأمن الدولي، ومجموعة العشرين، ومنظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ، ومنظمة شانغهاي للتعاون، والعديد من التكتلات الإقليمية والعالمية تشير في وثائقها إلى هذه المبادرة. وعلى مدى السنوات العشر الماضية، وقعت الصين أكثر من 200 وثيقة تعاون بشأن البناء المشترك للحزام والطريق مع 152 دولة و32 منظمة دولية، بما يغطّي 83 في المئة من الدول التي أقامت الصين معها علاقات دبلوماسية، وفقاً لما ذكرته اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح، المخطط الاقتصادي الوطني للصين .

خلال عشر سنوات من إطلاق “الحزام والطريق” إنجازات كبرى على المستوى العالمي تحقّقت من خلال محاور التعاون الخمسة للمبادرة، وهي: تنسيق السياسات، واتصال المرافق، وتيسير التجارة، والتكامل المالي، والترابط بين الشعوب. وأظهرت البيانات الرسمية أنه في إطار 3000 مشروع تعاون في مبادرة الحزام والطريق، تمّ خلق نحو 420 ألف وظيفة، ممّا أدّى إلى انتشال ما يقرب من 40 مليون شخص من الفقر.

وفقاً للبنك الدولي، من المتوقع بحلول عام 2030، إذا تمّ تنفيذ مبادرة الحزام والطريق تنفيذاً كاملاً، فإنّ مشروعات النقل في إطار المبادرة قد تؤدي إلى تعزيز التجارة بنسبة تتراوح بين 1.7 في المئة و6.2 في المئة على مستوى العالم، وزيادة الدخل الحقيقي عالمياً بنسبة من 0.7 في المئة إلى 2.9 في المئة، ويمكن أن يزيد الدخل الحقيقي للاقتصادات الواقعة على امتداد ممرات المبادرة بمقدار مثلين إلى أربعة أمثال، إذا نفَّذت إصلاحات لتقليص التأخيرات على الحدود وتخفيف القيود التجارية.

أعلنت الإدارة العامة الصينية للجمارك أنه في الشهرين الأولين من هذا العام، بلغت القيمة الإجمالية لواردات التجارة الخارجية للصين وصادراتها 6.18 تريليونات يوان (يوان تقريباً 7.3252 مقابل الدولار)، كما سجّل حجم الصادرات مستوى قياسياً جديداً في الفترة نفسها، لتحقق بذلك التجارة الخارجية بداية مستقرّة.

الصين تعدّ الشريك التجاري الأكبر للدول العربية. ففي عام 2022، وصل حجم التبادل التجاريّ بين الصين والدول العربية إلى أربعة أضعاف ما كان عليه قبل 15 عاماً، إذ بلغ 507.15 مليارات دولار، بحسب البيانات المنشورة على “موقع منتدى التعاون الصيني – العربي”، إذ بلغ حجم الواردات الصينية من وإلى دول الشرق الأوسط 228.9 مليار دولار بزيادة 16.4 في المئة. أما الصادرات الصينية فبلغت 278.2 مليار دولار، أي 37.6 في المئة على أساس سنويّ. وحدها المملكة العربية السعودية تمثل ما نسبته 25 في المئة من إجمالي التبادل التجاريّ بين الصين والدول العربية، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين المملكة والصين 106.1مليارات دولار في عام 2022، بمعدل زيادة بلغ 30 في المئة مقارنة بالعام 2021.

ست سنوات على توقيع لبنان مذكرة التفاهم
إداركاً لأهمّيّة هذه المبادرة، تمّ التوقيع في أيلول 2017 على مذكرة تفاهم بين حكومة جمهوريّة الصين الشعبيّة وحكومة الجمهورية اللبنانية حول “الترويج المشترك للتعاون في إطار الحزام الاقتصادي لطريق الحرير ومبادرة طريق الحرير البحرية للقرن الواحد والعشرين”. وتنصّ المذكرة على تعاون الجانبين في مجالات ذات اهتمام مشترك، منها النقل واللوجستيات والبنى التحتية والاستثمار والتجارة، والطاقة المتجدّدة والتبادل الثقافي بين الشعوب، والصحّة والرياضة.

قبل جائحة كوفيد-19، أبدت بعض الشركات الصينيّة اهتماماً كبيراً بالاستثمار في مشاريع واسعة النطاق في قطاعات الطاقة والغاز والاتصالات السلكية واللاسلكية والنقل، لا سيما سكك الحديد والمياه وغيرها من مجالات البنية التحتية، ومنها نفق بيروت-البقاع. وعلاوة على ذلك، ساعدت السفارة الصينية في لبنان مجتمعات الأعمال اللبنانية على المشاركة النشطة في منصات التبادل التجاري مثل معرض الصين الدولي للاستيراد، ومعرض الصين للاستيراد والتصدير (معرض كانتون)، ومعرض الصين والدول العربية، لتوسيع رقعة تصدير منتجاتهم. وفي إطار تعزيز التعاون ضمن مبادرة الحزام والطريق وتعزيز التفاهم بين الشعبين وتجسيد الصداقة الصينية اللبنانية موّلت الحكومة الصينية مشروعاً مبدعاً ونموذجياً متكاملاً تمثّل في بناء وتجهيز المعهد الوطنيّ العالي للموسيقى في لبنان (الكونسرفاتوار)، بهبة قيمتها 62 مليون دولار.

وفقاً لتقرير المرصد الاقتصادي للبنان الصادر عن البنك الدولي في أيار 2023، فإنه بالرغم من ظهور علامات تطبيع مع الأزمة، لا يزال الاقتصاد اللبناني في حالة تراجع حادّ، وهو بعيد كلّ البعد عن مسار الاستقرار، ناهيك بمسار التعافي. وقد أدّى فشل النظام المصرفيّ في لبنان وانهيار العملة إلى تنامي ودولرة اقتصاد نقديّ يُقدّر بنحو نصف إجمالي الناتج المحليّ في عام 2022. ولا تزال صناعة السياسات بوضعها الراهن تتسم بقرارات مجزأة وغير مناسبة لإدارة الأزمة، مقوّضةً لأيّ خطة شاملة ومنصفة، ممّا يؤدي إلى استنزاف رأس المال بجميع أوجهه، لا سيما البشري والاجتماعي، ويفسح المجال أمام تعميق عدم المساواة الاجتماعية، بحيث يبرز عدد قليل فقط من الفائزين وأغلبيّة من الخاسرين.

تعتبر الصين أكبر شريك تجاريّ للبنان لسنوات متتالية، في الأشهر الـ8 الأولى من العام 2022، تجاوزت نسبة النمو لحجم التبادل التجاري بين البلدين وحجم الصادرات اللبنانية إلى الصين 80 في المئة عمّا كان عليه في العام الماضي، بالرغم من أن الميزان التجاري يسجّل عجزاً لصالح الصين منذ العام 1993.

“أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً”، خصوصاً أن هناك الكثير من الفرص الواعدة التي يمكن العمل عليها بشكل مشترك. فالصين بما تمتلكه من خبرات وقطاعات كبيرة ورائدة بإمكانها مساعدة لبنان في الكثير من المجالات والقطاعات بحيث لا يبرز عدد قليل فقط من الفائزين وأغلبيّة من الخاسرين من خلال ممارسة مبادئ التشاور المكثّف، والمساهمة المشتركة، والفوائد المشتركة بهدف جعل “الأرقام” الخارجة من الحزام والطريق أكثر إثارة للإعجاب، بعد ان بلغت الأزمة اللبنانية التي تعصف بالكيان والنظام وبنى الدولة والاقتصاد والمجتمع مرحلة بالغة الخطورة، مع دخول البلد مرحلة التفكّك والانهيار الشامل على كلّ المستويات، وسيادة الفوضى شبه المطلقة، على نحو لا سابق له في تاريخه. تبعاً لذلك، تتأكّد حاجة البلد الملحّة إلى حركة نضال سياسيّ اجتماعيّ على كلّ المستويات، ذات بُعد إصلاحيّ ـ إنقاذي تساهم في إعادة توحيد قوى المجتمع اللبناني، وتعمل على توحيد فئاته المتضرّرة لإطلاق مسيرة التغيير والتقدّم والحداثة. وكلّنا أمل في أن يستفيد بلدنا الصغير لبنان من هذه التجربة الصّينيّة الرائدة في الإصلاح والانفتاح التي رعتها وطوّرتها القيادة الحكيمة.

المصدر : جريدة النهار

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *