ليكن التوجه الى الصين بداية التوجه شرقاً
بقلم المحامي عمر زين*
الصراع الدائر بين الأمم منذ قرون هدفه دائماً الثروات في الأرض والبحر كبيرة كانت أم صغيرة ومخططات كل دولة تستهدف الدول الاخرى في بنيتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية كي تضعفها بكل الوسائل المتاحة، وقد ساد العالم قوتان هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي، واستطاعت الاولى تفكيكه لتصبح هي القوة الأحادية في العالم تنفذ ما تريد دون أي رادع او حدود لتحركها، وكله دائماً لخدمة مصالحها الاقتصادية اولاً والسياسية ثانياً. غير أن هذا الواقع تغير اليوم بشكل جذري حيث نمت دول منافسة بكل المقاييس للولايات المتحدة الأميركية منها الصين وروسيا ومنظومة شنغهاي وغيرها أقل حجماً.
فالصين بدأت منذ مدة تنفيذ حلمها كرائد من رواد النمو الاقتصادي في العالم، بعد ان حققت نمواً اقتصادياً ايجابياً، فعملت على تعزيز مرونة سلاسلها الصناعية، كما واستقطاب المستثمرين من الخارج وتشجيع الشركات المحلية على توسيع أعمالها في السوق الدولية، وقبل ذلك كله وبعده كانت الصين دائماً تقف الى جانب قضيتنا المركزية فلسطين ومع الامة العربية في الدفاع عن حقوقها، واستطاعت روسيا بعد تفكيك الاتحاد السوفياتي ان تتحول الى دولة منافسة لأمريكا بكل المقاييس خاصة بالتحالفات الاقتصادية التي نسجتها مع الآخرين ومواقفها السياسية تصنف من الدول الصديقة، ولن نستفيض بالكلام عن باقي الدول في منظومة شنغهاي. غير أنه ما يهمنا اليوم الخطوة التاريخية للتوجه شرقاً التي أقدمت عليها المملكة العربية السعودية وابرمت اتفاقات اقتصادية متنوعة وكان ذلك في حضور دول الخليج العربي وبعض الدول العربية الرسالة الواضحة بأن العرب اختاروا التوجه شرقاً نظراً للمعاناة التي سببتها اميركا لهم سياسياً واقتصادياً وامنياً وبيئياً وسوى ذلك ايضاً. ويعني هذا التوجه التفلت من السيطرة الغربية التي أخذت مداها بعشرات السنين الماضية.
طبعاً ان هذا التوجه سوف تواجهه أميركا بشتى انواع التصدي ومعها الغرب كل بحسب حصته السياسية والاقتصادية في الدول العربية والدول الاخرى.
وكي نحصن هذا التوجه علينا التأكيد على اهمية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية باطلاق السوق العربية المشتركة وبأقصى سرعة وبالتعاون مع الصين وروسيا ومنظومة شنغهاي وغيرها، وذلك لتعزيز نمو الانتاج، وتخفيض تكاليفه، ومعالجة مسالة البطالة وازالة كل عقبات التنمية القطرية ومنها انخفاض معدل نمو الدخل، وضيق السوق عن استيعاب الانتاج الكبير، وعدم الانسجام في توزيع الإمكانات والثروات العربية.
ونرى اليوم ان اطلاق السوق العربية المشتركة يحقق المنعة والحرية والسيادة ويؤمن تكوين اقتصادي يساعد على تقوية الموقف التفاوضي في العلاقات الاقتصادية والتجارية مع البلدان والمجموعات الاقتصادية الأخرى، كما والوقوف أمام أي نوع من التحديات، وبالتالي فإن هذه السوق سوف يحسب لها ألف حساب لدى القوى الدولية، ويؤثر في مواقفها السياسية من قضية فلسطين ومن الاعتداءات المستمرة ارضاً وبحراً وجواً على الامة جميعاً.
إن في قيادة المملكة العربية السعودية للدول العربية في التوجه شرقاً وخاصة الى الصين سوف يضع الأمة في طريق النمو الاكيد والتقدم. وحتى ذلك الحين فلا بد من أن تقوم كل دولة من الدول العربية بخطوة مماثلة مع الصين ومع كل ما هو شرقاً والعمل على ازالة المعوقات في طريق ذلك وهي كثيرة وان ذلك ممكناً وليس مستحيلاً.
إننا نثمن عالياً خطوة المملكة العربية السعودية، وإننا على يقين أنها ستشجع الدول العربية للتحرك شرقاً بحيث ستتغير الخريطة الاقتصادية في الوطن العربي لأحسن حال بعيداً عن الهيمنة الغربية. وعلى الدولة اللبنانية اليوم قبل الغد الاستفادة من العروض الشرقية المتعلقة في إعادة تأهيل البنى التحتية سواء أكان مصدرها روسياً أو صينياً او ايرانياً وهذه العروض تتناول قطاع النفط والغاز من حيث التنقيب والاستخراج وقطاع الطاقة الكهربائية ببناء مصادر حديثة للطاقة كإعادة تأهيل مصفاة طرابلس، كما تتناول ايضاً شبكة المواصلات فهناك مشاريع لإعادة تأهيل الطرق وخاصة سكك الحديد، وهناك مشاريع لتدوير النفايات وجعلها مصادر للطاقة، كما واعادة تأهيل مرفأي بيروت وطرابلس، وتأهيل مطار بيروت وانشاء مطار آخر في الداخل اللبناني في البقاع أو عكار.
المهم الارادة والتصميم على التنفيذ والجراة للخروج من الغرب دون معاداته حيث تبقى الخيارات مفتوحة، ويبقى الاتجاه الى الشرق أمر ضروري وواجب وطني وقومي للنهوض والتقدم، ومع الحذر الشديد بعدم تأثير هذا التحول على السيادة والاستقلال والإرادة الحرة.
*الأمين العام السابق لاتحاد المحامين العرب