أفكار وآراء

وتبقى بيروت ناهضة

كتب حسين عبد الكريم حاموش

لا يملك الذي يعرف بيروت سِنِي زهوها و ألَقها،إذ ينظر إليها اليوم،إلا أن يعتصره الألم،إثر هذا الحصار الجائر الذي يخنق الوطن منذ ما يقارب عقدا من السنوات العجاف.
و الآهم  ما في هذا الحصار انما هو استهدافه جوهرة الشرق و الغرب
بيروت ام الشرائع،بيروت مدينة التنوع و الفرادة، بيروت التعايش الجميل بين ابناء الوطن من أربع جهاته،
بيروت الانفتاح و الحرية و التعدد الثقافي
بيروت الكتاب و المؤلف و المطبعة
بيروت المقاهي الثقافية الممتدة من ساحة البرج الى المنارة على شاطئ المتوسط مرورا بشارع الحمرا الذي فاق بشهرته أشهر شوارع مدن العالم و عواصمه
بيروت الصحافة المتنوعة و المنابر الثقافية و الأقلام الخلاقة
بيروت النضال السياسي و النقابي
بيروت العروبة و العالمية و التجدد
بيروت التي احتضنت كل قضايا العرب العادلة و قضايا الأمم
بيروت التي فتحت قلبها و بيوتها للهاربين من اوطانهم مظلومين
فكانت لهم المنبر و المطعم و المأوى
بيروت الجامعة الرفيعة المستوى
التي حمل خريجوها اختصاصاتهم الى ارجاء العالمين العربي و الدولي
و كان لهم في كل ميدان انجاز.
ان الحديث عن بيروت ،بما هي اختصار ثقافي حضاري للبنان الوطن و شعبه الأبي،لا يمكن حصره بما ذكرنا أعلاه، فهي المنارة في كل ميادين الابداع شعرا و نثرا
صناعة و تجارة
سياحة و فنادق
و هي فوق كل ذلك نموذج كل مدينة عالمية
يأتيها الفرنسي فيجد فيها فرنسا
يأتيها الانكليزي فيرى فيها بريطانيا
يأتيها الاميركي فيجد فيها مضامين ما آمن به لنكولن و لوثر كنغ..
بيروت هذه لا يمكن للبهلوانيات،على اختلافها،ان تنال منها و من دورها
بهلوانيات  مرابي التطبيع من الخارج ومن بعض الداخل مع عدو يقضم كل شيئ في هذه الأمة دون أية حلول عادلة لقضايا العرب الكبرى
فيا للعجب من مرتزقة الدجل السياسي و الثقافي و المالي الذي يشيعون موت بيروت بثلاثين من الفضة
هؤلاء المارقون عابرون على حاشية التاريخ لا في متنه
غدا يذوبون كما الملح في رطوبة مطر شارع الحمرا
و مما يؤسف له ان بعض العرب والخارج  يمولون  منابر عابرة لتشيع ذبول بيروت و ضمور دورها
يفعلون ذلك بأبخس الأثمان
فها هي بيروت رغم الجراح و الحصار ، شامخة كسورها و أبراجها ببُرد ملكها و تاجها تتلألأ
عصية على الذبول
ولتنهض  فيها الخيول
و تجري و ان يعييها الى الهدف وصول
فها هو برلمانها برئاسة النبيه الأبي  يعمل بنموذجية تُحتذى في العالم العربي كله
و ها هو الاستاذ اللبناني في جامعته و مدرسته يواظب على حسن العمر و روعة الأداء رغم أن الرواتب باتت زهيدة لا تُشبع خبزا و زيتا
و ها هي بيروت الكتاب تعلن ان فتح معرضها للكتاب في أذار القادم بمبادرة فردية من النادي الثقافي العربي.
و ها هي الحركة النقابية التي يقودها اتحاد النقل البري (بجميع اتحاداتها ونقاباتها) برئاسة الاخ بسام طليس تستمر معطاءة تدافع عن حقوق العمال و السائقين و الأجراء…

و ها هي نواديها الثقافية و مقاهيها الفكرية تنهض في كل قرية و مدينة
حتى لم تعد بيروت بحدودها الجغرافية المعهودة بل تمددت ليصبح لبنان كله مدينة زاهية متالقة خلاقة اسمها بيروت
بيروت التي لا تموت
تصنع من ركام حصارها مجدها ليدوم
و ليقوم منارة للتائهين و الغارقين بظلمة جهلهم و ظنونهم الفاجرة
انه من المبكي حقا ان ترى وجوها كالحة اطعمتهم بيروت خبزا و ثقافة و كرامة
و إذا هم يرمونها بحجارة البهتان و الانتقام
و يجهلون ان هذه الحجارة لن يكون مصيرها الا التفتت لتذروها الرياح الى شاطئ بيروت و تذوب الى الأبد
لتبقى بيروت مدينة النِّعم و الفضل ناهضة على ناصية التاريخ و الجغرافيا ترشد التائهين و الضالين
الى مستقبل افضل و أجمل و هي أدرى كيف تصنعه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *