أفكار وآراء

تغيير الرؤوس أم قطع الرؤوس؟

كتب نبيه البرجي

يا لسذاجتنا حين نهلل للتغيير، كما لو أننا نحن الذين نقوم بالتغيير، لا الآخرون. هل من مرة أتى التغيير لمصلحة أي من بلدان أو مجتمعات المنطقة؟ هكذا نمضي في سذاجتنا لنسأل ما دمنا على تفاعل جغرافي وتاريخي، وكذلك على تفاعل سياسي واستراتيجي مع سوريا، هل ننتظر تغييراً في لبنان؟ قلنا المنطقة عند مفترقات هائلة، لا أحد يستطيع التكهن بالمسار الذي تأخذه سورية، ولا بالمسار الذي يأخذه لبنان. لكن ما يستشف من الأحاديث الأميركية ألآّ تغيير في الستاتيكو الحالي في لبنان، بعد خروجه من الدوامة الايرانية. البقاء اذاً في دوامة… ملوك الطوائف!

 

 

ولكن كيف يمكن أن يحدث التغيير في سورية، حين تكون عين رجب طيب أردوغان في سوريا، وتكون عين بنيامين نتنياهو على سورية؟ الأول يريدها بدافع تاريخي ولاية تركية، والثاني يريد بدافع ايديولوجي تفكيكها الى دويلات. لكنها سورية بالتضاريس المعقدة، التضاريس السوسيولوجية بالدرجة الأولى. تحت السقف الواحد من يقول بتروتسكي، ومن يقتدي بابن تيمية، ومن يرقص على ايقاع ألفيس بريسلي…

ثم من يعلم أي نظام ذاك في لبنان لكي يتغير؟ مزيج من الديموقراطية والتوتاليتارية وحتى الثيوقراطية، ما يعكسه قانون الانتتخاب الأخير الذي يمثل ذروة الهرطقة وذروة الشعوذة السياسية، لنكون أمام برلمان عبارة عن سيرك طائفي. “التغييريون” ليسوا أكثر من مظهر من مظاهر الفانتازيا السياسية ، فقاعات في الهواء. لا أحد من أصحاب السعادة “التغييريين” يعرف أين يضع رأسه ليعرف أين يضع قدميه.

أبشع ما يكون كلام عن ثنائي شيعي، وعن قيادات مسيحية، وعن تكتل للنواب السنّة. العالم يتحدث عن شكل آخر للزمن، وعن شكل آخر للحياة. نجوم ساحة النجمة يختلفون على كل شيء، الا على الاتيان برئيس للجمهورية اما صناعة والت يزني أو صناعة ماكدونالدز، لكأننا في دولة تجريبية. من المارونية السياسية الى السنية السياسية ألى الشيعية السياسية، الآن الدرزية السياسية؟ رأينا الوزير وليد جنبلاط ينتقل من مقر الوالي العثماني في دمشق الى مقر السلطان العثماني في أنقرة. دولة تمشي الى الوراء. بعد أكثر من ثلث قرن على نهاية الحرب الأهلية لا كهرباء.

دول تعود الى الوراء. هكذا التغيير في نظرة مديرة مكتب شؤون المرأة عائشة الدبس في سوريا الجديدة. بنصف ابتسامة ونصف تكشيرة “لن أفسح في المجال لمن يختلف معي في الفكر”. تذكروا أن هذا النوع من البشر يرتبط بخط ساخن مع الله. صديقنا الفيلسوف الفرنسي ادغار موران، وهو اليهودي، حذر من تسويق فكرة “يهوه الاسلامي”، “يهوه رب الجنود”، وكان ملهم بنيامين نتنياهو في قيادة طوفان الدم وطوفان الخراب في كل من غزة ولبنان.

من معلولا بالأكثرية المسيحية، الى طرطوس بالغالبية العلوية، من يستطيع أن يتلمس رأسه؟ من ايديولوجيا قطع الرؤوس قبل الوصول الى السلطة، الى ايديولوجيا تحطيم رأس كل من يتجرأ على المس بـ “التابو” القائم. لكي تكون مسلماً حقيقياً ما عليك سوى أن تقطع رأسك بيديك.

شخصيات سورية معارضة اتصلت بي. البعض هاجمني لأنني عميل للنظام السابق. البعض الآخر أخذ عليّ أنني استبق الأمور بالصورة السوداوية للمشهد المستقبلي لسورية. هل يتصور هؤلاء أن مستقبل سورية بيد السوريين، وأن مستقبل أي بلد عربي بيد أهله، وان كنا نستبشر بالهجوم العربي على سورية، حتى إن السعوديين تمنوا على مصر ألا تظل على مقاطعتها للنظام الجديد في سورية. علّ ذلك يحول دون تتريكها أو دون تفكيكها أو دون بلقنتها.

الآن خطوات أولية لاعادة بناء المؤسسة العسكرية، وان بتلك الطريقة الكاريكاتورية. ضباط من أوزبكستان، وأيضاً من تركمانستان، تم ترفيعهم لتشكيل الهيكلية الأساسية على أسس اسلامية ، ليس هذا المهم. هل يتصور القائد أحمد الشرع (الجولاني) أن يسمح “الاسرائيليون” بقيام (وقيامة) جيش سوري قابل للدفاع عن أرضه، بعدما دمرت الطائرات، ودمرت الدبابات لتبقى سورية، وحين تذهب الى الطاولة منزوعة السلاح. “اسرائيل” ليست في الجولان فقط. قيادات “هيئة تحرير الشام” تعرف أين توجد “اسرائيل” الآن. كتابات بالعبرية على جدران القصر الجمهوري، بل وعلى ظهور العديد من القادة الجدد.

مثلما العراق لا يحكم بالأكثرية الشيعية، ومثلما لبنان لا يحكم بالتوازن الزبائني بين الطوائف، لا تحكم سوريا بالأكثرية السنية، ما دام هناك من لايقرأ كيف يفكر المخططون في واشنطن وفي “تل أبيب”. هوية طوائفية لسورية لتبقى رهينة الحرائق المبرمجة والخرائط المبرمجة. مفكرون ومثقفون سوريون يرون في الطوائفية العلاج القاتل لأي نظام.

لم نكن نتصور أن المنظومة الاستخباراتية في سورية (السابقة) تصل الى ذلك الحد من الوحشية. لكننا نخشى أن تفتح الأقبية ثانياً في المزة وفي صيدنايا وعدرة وتدمر ـ لتبقى زنوبيا شاهداً ـ وان كنا نتمنى أن ينسى السوريون اللحظات السوداء في “النظام المخلوع”، ويعملوا على ارساء الأسس الفلسفية والاستراتيجية لدولة يفترض أن تكون نمر الغرب الآسيوي.

لا تغيير في لبنان. الفقهاء (فقهاء القرون الوسطى أم فقهاء العصر الحجري؟) يعدوننا بالقيامة التي يتغير فيها كل شيء. لم يخطئ الفيلسوف الفرنسي ميشال أونفري حين أشار باصبعه الى المنطقة ليقول “من أجل هؤلاء، وضع ستيفن سبيلبرغ فيلمه “جيراسيك”، أي حديقة الديناصورات”…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *